المقابلة مع سماحة السيد محمد باقر الحكيم حول نشاط جماعة العلماء في النجف الأشرف

المقابلة التي أجراها الأخ محمد رياضي من المكتب السياسي لحزب الجمهوري الإسلامي مع سماحة السيد محمد باقر الحكيم حول نشاط جماعة العلماء التي أسست سنة 1958م في النجف الأشرف.

بسم الله الرحمن الرحيم

مكتب السيد الحكيم

القسم الإعلامي

أسئلة عن نشاط جماعة العلماء التي أسست سنة 1958م تفضل سماحة السيد محمد باقر الحكيم بالإجابة عنها. (وقد أجرى المقابلة محمد رياضي من المكتب السياسي في الحزب الجمهوري الإسلامي في إيران)

س1: متى تأسست حركة جماعة العلماء وكيف كانت الحالة السياسية في العراق آنذاك؟

على ما أتذكره كان تأسيس ونشاط جماعة العلماء بعد انقلاب 14 تموز عام 1958م بمدة شهرين تقريباً. وبعد هذا الانقلاب ظهرت على السطح في العراق تيارات سياسية جديدة ومن جملة هذه التيارات التيار الماركسي الذي كان يمثله الحزب الشيوعي في العراق، حيث كان له وجود تاريخي وشعبي كبير إلى حد ما، لأنه كان ينزل في داخل الساحة العراقية تحت شعار (الوطنية) و(مكافحة الاستعمار). وكذلك الأحزاب القومية كان لها وجود في الساحة العراقية بشكل أقل، إلا أن التيار القومي الذي كان يمثله عبد الناصر في ذلك الوقت كان تياراً قوياً، خصوصاً إذا لاحظنا أن عبد الناصر تبنّى في المنطقة شعار مكافحة الاستعمار والحرية والوحدة بين البلاد العربية.

وبعد انقلاب 14 تموز الذي أدى إلى تغيير هيكل النظام في العراق إلى نظام جمهوري، ومنح الشعب العراقي الحرية النسبية، وُجدت فرصة جديدة لأن يطرح بشكل واضح الخط الإسلامي والنظام الإسلامي كبديل للنظام السابق الذي كان حاكماً في العراق، وعلى أساس مواجهة التيارات غير الإسلامية التي ظهرت على السطح في العراق بعد هذا الانقلاب، وإدراك من العلماء بأنه من الضروري التفاعل مع الجماهير الشعبية على أساس من الإسلام، الإسلام الذي يفترض كعقيدة ونظام لا مجرّد علاقة بين إنسان وربّه ومجرد عبادات، تكونت جماعة العلماء، وهذه الجماعة كان أعضاؤها يمثلون في الحقيقة الفئة التي تأتي بالدرجة الثانية من العلماء في حوزة النجف الأشرف، حيث أن الفئة الأولى هي عبارة عن فئة المراجع (مراجع التقليد) والفئة الثانية كانت تمثل هذه الجماعة وكانت هذه الجماعة تتكون من علماء عراقيين وغير عراقيين من العرب وغيرهم. وكان عدد هذه الجماعة اثني عشر شخصاً ثلاثة منهم كانوا يمثلون اللجنة المشرفة؛ لأنهم يُعتبرون من حيث الطبقة أقدم من الآخرين والباقون كانوا عبارة عن اللجنة التنفيذية لجماعة العلماء.

س2: ما هي الأسباب الرئيسية التي دفعت العلماء إلى تأسيس هذه الحركة؟

أشرت إلى هذه الأسباب وقلت أنه وجود هذه التيارات التي ذكرتها على السطح الشعبي العراقي بحيث أخذت تحاول استقطاب جماهير الشعب في العراق، مع أنه هذه التيارات كانت موجودة على شكل منظمات وأحزاب سرية، لكن وجود هذه التيارات على السطح باعتبار الحرية النسبية التي حصلت بعد انقلاب 14 تموز في العراق، سمحت لهذه التيارات أن تتفاعل مع الجماهير الشعبية فأصبح من الضروري وجود جماعة تتبنى وتخاطب الجماهير وتقف في وجه هذه التيارات السياسية غير الإسلامية، مثل التيار الماركسي والتيار القومي القائم على أساس افتراض قيام الكيان الاجتماعي على أساس القومية العربية والعنصرية. على هذا الأساس تولدت (حركة جماعة العلماء) وأيضاً أصبح من المعقول أن يطرح الإسلام كنظام للناس في العراق من بعد انقلاب 14 تموز باعتبار وجود فرصة جديدة غير الفرص السابقة ويتطلع الناس إلى نظام جديد غير النظام السابق الحاكم في العراق.

على أساس كل من هذين الأمرين، مواجهة التيارات من ناحية، والتطلع إلى نظام جديد في العراق غير النظام السابق من ناحية أخرى ولدت هذه الجماعة.

س3: هل واجهت هذه الحركة صعوبات وعقبات من جانب الحكومة؟

في الواقع أن هذه الحركة واجهت صعوبة شديدة من جانب التيار الماركسي الذي كانت تتبناه حكومة عبد الكريم قاسم لتطويق التيار القومي المتبنى من قبل عبد الناصر ومجموعة من الضباط الذين اشتركوا في الثورة أو في انقلاب تموز العسكري. وهذا التيار الماركسي أدرك بحسه العقائدي وبذكائه السياسي أو بخبراته التي كان يستمدها من طول الممارسة في داخل العراق ومن الدعم الخارجي الذي كان يستمده أيضاً من الاتحاد السوفياتي، أدرك بأن هذه الحركة (حركة جماعة العلماء) سوف تشكّل تهديداً حقيقياً بالنسبة إلى التيار الماركسي، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة الشعب العراقي، حيث إنّ طبيعة الشعب العراقي طبيعة ترفض بشكل عام التيار القومي، على اعتبار أن الشعب العراقي يتكون بشكل رئيسي من أكراد وعرب، الأكراد يُشكّلون حسب بعض التقديرات 20% تقريباً من الشعب العراقي هؤلاء الأكراد بطبيعة الحال معقّدين اتجاه التيار القومي العربي باعتبار أنهم يرون أنفسهم شركاء في الوطن بينما التيار القومي يرى العراق جزءاً من الوطن العربي، ويرى الأكراد ضيوفاً فيه كما أنهم يعيشون الروح القومية كنتيجة للثقافة الاستعمارية وكردّ فعل للتيار القومي، فالتيار القومي تيار مرفوض إلى حد ما قبل الأكراد.

والعرب في العراق يتكونون بشكل رئيسي شيعة وسُنة، والشيعة بشكل عام أيضاً يرفضون التيار القومي على أساس أنهم يرون بأن التيار القومي يمثل انحرافاً عن الإسلام وتمتد جذوره في التاريخ الإسلامي إلى الأمويين الذين أخذوا يفضّلون العرب على الفرس بالمعاملة بعد الخلافة الراشدة الإسلامية من ناحية، وأخذوا يُفضّلون بعض القبائل العربية على البعض الآخر، فهم يرون بأن التيار القومي تمتد جذوره تاريخياً إلى الأمويين، والأمويون بشكل عام مرفوضون من قبل شيعة العراق على أساس ما فعله الأمويون بشيعة العراق وأهل البيت من أئمة الشيعة الذين يمثّلون الخط الأصيل للإسلام والشيعة يمثلون على أقل تقدير 60% من الشعب العراقي، إن من الممكن أن نقول بأن 80% من الشعب لا ينسجم مع التيار القومي بالإضافة إلى الأقليات القومية الأخرى. فالتيار القومي لم يكن يُشكّل تهديداً حقيقياً بالنسبة إلى الشعب العراقي؛ ولكن التيار الإسلامي تيار يقبله الشعب العراقي باعتبار أن الشعب العراقي شعب مسلم بعربه وأكراده وبشيعته وسنّته، كل الشعب أيضاً يؤمن بالإسلام بشكل ما، فكان الماركسيون يرون بأن العدو الحقيقي لهم في هذه الساحة إنما هو التيار الإسلامي وجماعة العلماء تُمثل هذا التيار وحينما يتبنى هذا التيار جماعة العلماء الذين كان لهم تأريخ في العراق وفي قيادة الشعب العراقي حينئذ يكون التهديد أكبر وأعظم، أما إذا كان يمثل هذا التيار حزباً، فالحزب قد يمكن تطويقه إلى حد ما؛ ولكن عندما يمثّل هذا التيار علماء، والعلماء لهم موقع متميّز في نفوس الناس على اعتبار موقع المرجعية الدينية والتقليد وقيادة العلماء للحركات السياسية الكبرى في العراق، مثل محاولتهم ضد الغزو الإنكليزي العسكري، ومثل قيادتهم لثورة العشرين لطرد الإنكليز وما أشبه ذلك من الحركات السياسية، وتصدى العلماء إلى الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية العامة، فعندما يقود التيار الإسلامي علماء يكون التهديد الذي تتعرض له الأحزاب غير الإسلامية أكبر.

فالحزب الماركسي والتيار الماركسي عندما شعر بوجود هذه المحاولة وبوجود هذه الحركة حاول أن يضرب هذه الحركة قبل نموها وحصولها على الإمكانات اللازمة للتحرك في كل العراق، والحكم في العراق وإن لم يكن في تكوينه الحقيقي ماركسياً بشكل خاص إلا أنه بتبنيه الماركسية، ولسيره في خدمة الاستعمار، أصبحت أجهزة الحكم في ذلك الوقت إيضاً تعارض جماعة العلماء وتُشكّل صعوبة رئيسية بالنسبة إلى جماعة العلماء وتطويقها.

ومن جملة هذه الحوادث، الاعتداء على بعض هؤلاء العلماء واعتقال بعضهم الآخر وتهديد آخرين بالقتل والسجن، ثم لما تفاقم وجود التيار الماركسي في العراق بعد ستة أشهر من وجود هذه الجماعة ـ جماعة العلماء ـ اضطرت جماعة العلماء أن تنقطع عن طبع منشوراتها وإصدارها، وبعد ذلك تم اعتقال مجموعة من الأشخاص الذين كان يفترض أنهم يتعاونون مع جماعة العلماء بعد انقطاع المنشورات بشهر. وكان الانقطاع بسبب حوادث حركة الشواف في الموصل حيث أن الشواف حاول أن يقوم بانقلاب عسكري ضد عبد الكريم قاسم وكان طابعه طابع قومي. بعد هذه الحركة أعطى عبد الكريم قاسم الضوء الأخضر للتيار الماركسي بشكل كامل حيث أغرق العراق التيار الماركسي وأخذ يعتدي على الناس وعلى الأعراض ويقتل بعض الأشخاص ويعدمهم، وعقدت محاكم شعبية للحزب الشيوعي حكم بها على بعض الأشخاص ثم أعدمهم، الأمر الذي اضطر جماعة العلماء أن تنقطع عن إصدار منشوراتها في ذلك الوقت، هذه الصعوبة الحقيقية التي كانت تواجه العلماء في ذلك الوقت.

س4: هل أيّد المجتهدون والمراجع تأسيس حركة مثل هذه؟

في الواقع أن هذه الحركة كان فيها مجموعة من المجتهدين بل كل أعضاء هذه الحركة كانوا قد بلغوا درجة الاجتهاد، أما المراجع فمرجع التقليد الأول في ذلك الوقت كان السيد الحكيم والسيد الحكيم كان من الواضح تبنّيه لحركة جماعة العلماء وكان يقوم بالإنفاق على كل النشاطات التي تقوم بها الحركة؛ ولكن بالرغم من تبنّي السيد الحكيم لحركة جماعة العلماء، مع ذلك نلاحظ أن بقية العلماء والمراجع في النجف الأشرف تبنوا هذه الحركة وأصدروا بيانات رسمية لتأييد هذه الحركة بتوقيعاتهم، وكان من جملة هؤلاء العلماء المرحوم آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي والمرحوم آية الله السيد محمود الشاهرودي وآية الله السيد الخوئي والمرحوم آية الله السيد محمد جواد الطباطبائي التبريزي وآخرين.

س5: ما هي الأسس التي بنيت عليها هذه الحركة (عقائدياً وسياسياً)؟

في الحقيقة أن هذه الحركة بدأت أولاً في مواجهة التيار الماركسي بشكل عام ودعوة الناس إلى الإسلام وإلى اتخاذ الإسلام عقيدة ونظام([1])، وكانت هناك محاولة بعد نشوء هذه الحركة أن تشكّل حركة بعنوان (أنصار جماعة العلماء) وأن تكون هذه الحركة عبارة عن تنظيم سياسي جماهري يدعم الحركة ويكون القوة الضاربة الشعبية لهذه الحركة وبالفعل شكّلت في بعض المناطق العراقية مجموعات بهذا الاسم أي باسم (أنصار جماعة العلماء) ثم بُدّل الاسم إلى (أنصار الإسلام) وقد كنت شخصياً مسؤولاً عن بعض فروع هؤلاء الأنصار وبعد التطور الذي حصل في صفوف جماهير الشعب العراقي باتجاه الإسلام، يمكن أن نقول أن أصل فكرة وجود حزب الدعوة في العراق كان بسبب النشاط الذي بدأه جماعة العلماء في العراق يمكن أن نقول بأن حزب الدعوة وُلد في أحضان الأفكار التي طرحتها جماعة العلماء جماهيرياً والضرورة الملحّة التي نشأت من الظروف السياسية في العراق على اعتبار أن جماعة العلماء تمكنوا من إقامة الجسور بين الإسلام الذي يمثله العلماء وبين الشباب المثقف الواعي في العراق، إقامة الجسور ذات الواقع والمضمون الحقيقي حيث كانت هناك ارتباطات بين الشباب وبين العلماء لكن الارتباطات كانت ارتباطات غير ذات مضمون سياسي وفكري متكامل. جماعة العلماء بعد أن طرحوا الإسلام كعقيدة ونظام وأكدوا هذا المضمون سواء في المنشورات وفي الفعاليات أو في الاحتفالات الكبيرة، وفي الحقيقة أوجدوا هذا الجسر بين الإسلام وبين هؤلاء الشباب الواعي، وكانوا من الشباب الجامعي ومن الفضلاء المعممين في النجف، الأمر الذي أدى تدريجياً إلى تكون تيار تنظيمي إسلامي وهو حزب الدعوة.

س6: طبيعي أن لكل حزب وحركة بيان تبيّن فيه البنود والأسس العقائدية، هل كان لهذه الحركة بيان…؟

لا لم يكن غير البيانات الجماهيرية التي تُعبّر عن أفكارها، بعد ذلك قامت هذه الحركة بإصدار مجلة الأضواء في النجف تحت إشراف اللجنة التوجيهية لجماعة العلماء. وهذه اللجنة التوجيهية كانت هي عبارة عن مجموعة من العلماء الصغار السن أو بعبارة أخرى، الدرجة الثالثة أو الرابعة من العلماء في النجف من المثقفين الإسلاميين الواعين حيث أشرفت هذه اللجنة على مجلة الأضواء، وكانت هذه المجلة عبارة عن مجلة فكرية إسلامية حاولت أن ترسم الطريق إلى افتراض أن الإسلام من الممكن أن يصبح نظاماُ للأمّة ويمكن تطبيقه، وأخذت تدعو الناس إلى هذه القضية أيضاً من خلال وضع بعض المعالم الرئيسية للطريق وطرح بعض المقولات والمفاهيم الإسلامية سواء في (رسالتنا) أو الافتتاحية أو الموضوعات الأخرى في مجلة الأضواء.

أنا كنت في البداية من أعضاء هذه اللجنة التي كانت تشرف على إصدار مجلة الأضواء، وكان فيها أعضاء آخرون من قبيل العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي وآخرين([2]) أما إصدار بيان يتضمن بنود معينة ومنهج معين فهذا الشيء لم يوجد، ولكن صدرت سبعة بيانات باسمها وأقامت بعض الاحتفالات والاتصالات السياسية العامة كمواجهة زعيم الانقلاب عبد الكريم قاسم أو الاتصال ببعض علماء الإسلام، ثم أخذت تصدر الأضواء وكان في الأضواء يوجد حقل بعنوان (رسالتنا) هذا الحقل كان يُكتب باسم جماعة العلماء.

س7: من هم مؤسسوا هذه الحركة؟

الحركة لها لجنة مشرفة وهيئة تنفيذية، والهيئة المشرفة لهذه الحركة كانت عبارة عن ثلاثة أشخاص الأول فيهم والذي كان أوجههم وأبرهم سنّاً، أوجههم من حيث المقام الاجتماعي وكان له أيضاً صفة المرجعية وإن لم يكن له رجوع عام من قبل الناس؛ ولكن يوجد هناك من يقلّد هذا الإنسان ويطرح نفسه كمرجع وهو المرحوم آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين، وكان معه في اللجنة المشرفة المرحوم الشيخ حسين الهمداني، والثالث المرحوم آية الله الشيخ الدجيلي وكان هؤلاء الثلاثة معروفين في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ومن هؤلاء المجتهدين والفضلاء ومن الأشخاص الذين يكسبون احترام الجميع وكان الناس يحترمونهم وكانوا حياديين أيضاً، أي لم يكن لهم فئة انتمائية على مستوى مراجع النجف، كانوا معروفين بالوقار والعلم والفضيلة وهناك لجنة تنفيذية لهذه الجماعة مُكوّنة من الأسماء الآتية: 1_المرحوم السيد محمد تقي بحر العلوم.

2- المرحوم السيد موسى بحر العلوم.

3- المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر.

5- المرحوم السيد إسماعيل الصدر.

6- السيد مرتضى الخلخالي.

7- الشيخ محمد جواد آل شيخ راضي.

8- المرحوم الشيخ محمد طاهر آل شيخ راضي.

9- الشيخ حسن الجواهري.

وكان هؤلاء يمثّلون كما قلت الطبقة الثانية أو الثالثة من الفضلاء في النجف الأشرف، وكانوا من المعروفين وأكثرهم كان معروفاً بالاجتهاد والتقوى والصلاح وأيضاً كانوا من الأسر العلمية الرئيسية في النجف. ومن الجدير بالذكر أن المرحوم الشهيد آية الله السيد الصدر كان يكتب جميع المنشورات ومقالات جماعة العلماء ومعظم المقالات التي تُكتب بعنوان رسالتنا وأنا أيضاً كنت قد كتبت فيها.

كما أنه كان يمثل عنصراً مهماً في التحريك والتوجيه عن طريق إيمان خاله آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين به ومعرفته بعلمه وفضله وذكائه وثقافته الإسلامية العامة وحُسْن تقييمه للأشياء([3]).

س8: أي الحركات والأحزاب الداخلية والخارجية أيدت وساندت هذه الحركة أو لربما مدت يد التعاون إليها؟

لا يوجد حزب خارجي مد يد المعاونة لهذه الحركة؛ نعم، في طريق العمل لمواجهة التيار الماركسي في العراق، التيار الذي تبناه الحكم في العراق وحاول إغراق العراق أيضاً، في طريق المواجهة اشتركت مع الجماعة عملياً لا بشكل جبهة أو بشكل ميثاق وإنما عملياً اشتركت كل الأحزاب التي كانت تعارض التيار الماركسي، وحاول بعض عناصر هؤلاء الأحزاب أن يتستر بغطاء جماعة العلماء من أجل معارضة التيار الماركسي، وأما التعاون بعنوان دعم الجماعة بشكل واضح وعلني فهذا لم يكن يحصل من أي حزب؛ لأن الخط الذي تبنته هذه الجماعة كان خطاً إسلامياً واضحاً وكانت الأحزاب الأخرى كلها تشعر بأنّ هذا الخط سوف يكون على حساب مصالحها الخاصة الفئوية، وكان هناك أيضاً تأييد من علماء أهل السُنّة لكن ليس بعنوان أحزاب وإنما بعنوان علماء، وهذا التأييد ظهر على شكل مشاركة هؤلاء العلماء في الاحتفالات التي أقامتها جماعة العلماء وفي الاحتفالات التي كان يقيمها هؤلاء العلماء (علماء أهل السُنة).

ومن الطبيعي أن نفترض أيضاً في هذه المرحلة أن الأحزاب الإسلامية السُنية من قبيل حزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير، رحبت بالأطروحة التي طرحتها جماعة العلماء باعتبار أن هذه الأطروحة تمثل أطروحة إسلامية في مواجهة التيارات غير الإسلامية، إلا أنه لم يكن هناك تأييد رسمي لهذه الجماعة، وإنما كان تأييد من قبل عناصر هذه الأحزاب باعتبار أن عناصر هذه الأحزاب كلها كانت تعمل في مواجهة التيار الماركسي الذي حاول أن يُفرّق العراق حيث كانت تسند عمل جماعة العلماء([4]).

س9: ما هو الهدف النهائي الذي كانت تعمل لأجله هذه الحركة؟

الهدف المطروح في البيانات هو إقامة حكم الإسلام في العراق؛ ولكن تركيبة وتكوينة هذه الجماعة السياسية لم يكن بشكل يُمكّن لهذه الجماعة أن تواصل الطريق في تحقيق هذا الهدف وتوفير كل الإمكانات والمستلزمات لتحقيق هذا الهدف، وإنما ظلت هذه الجماعة تدعو إلى هذه القضية ولهذه الفكرة، حيث إنّ هذه الفكرة بعيدة جداً عن أذهان الناس، فكرة إقامة نظام إسلامي في العراق.

أولاً: باعتبار أن الفترة الطويلة التي حكم الاستعمار فيها العراق، حاول أن يفصل الأمّة فيها عن الدين ويفترض بأن الدين لا يمكن أن يحكم وإنما يجب أن يكون ضمن المسجد مثلاً، أو إذا أراد أن يتطور الدين يكون ضمن محكمة شرعية أو ضمن دروس بسيطة في المدارس الابتدائية أو الثانوية.

ثانياً: كان هناك شبه يأس موجود في نفوس كثير من المسلمين الذين يرون بأن الإسلام صالح للحكم والتطبيق وكذلك الأوضاع العالمية والسياسية والتيارات الغربية والشرقية وعدم وجود سند ودعم لقوة من القوى الكبرى للإسلام، هذه الأشياء وأمثالها كانت تجعل المسلمين في يأس من القدرة على تطبيق الإسلام وتحقيق النظام الإسلامي. فالشيء الذي صنعته جماعة العلماء هو أنها حاولت أن تغرس هذه الفكرة في نفوس الناس بشكل عام وتدعو الناس إلى قضية إقامة الحكم الإسلامي، وأن الإسلام ليس فقط عقيدة وإنما هو عقيدة ونظام فالعمل الذي تصدت له الجماعة بشكل رئيسي كان في الحقيقة عمل فكري مطبوع بطابع سياسي.

س10: ما هو تأثير هذه الحركة على السياسة الداخلية آنذاك، هل كان لها تأثير على التيار الماركسي الذي كان حاكماً في العراق؟

في الواقع أن الشيء الذي تمكنت أن تصنعه الحركة في التأثير على الوضع هو أنها تمكنت إلى حد كبير من أن تُحجّم وتُحدّد تأثير التيار الماركسي سياسياً على العراق هذا هو الشيء الأول، والشيء الثاني كما ذكرت وقلت بأن الحركة كانت بداية لتيار إسلامي في العراق، هذا التيار الإسلامي الذي نما في الستينات وأخذ الحكم يحسب له حساباً، ويمكن أن نقول أن انقلاب السابع عشر من تموز العسكري سنة (1968) الذي حصل في العراق هو محاولة للقضاء على هذا التيار الإسلامي بعد أن نما هذا التيار وأخذ يهدد بتسلّم الحكم في العراق.

فيمكن أن يكون هذا التأثير السياسي يتمثل في هذه الخصوصيات و(النقاط):

أولاً: في سحب البساط أو تحجيم وضع التيار الماركسي سياسياً في العراق فقد كان لجماعة العلماء تأثير كبير في هذه الناحية، وكذلك المرجعية الدينية بشكل عام الذي هو أيضاً في الحقيقة في نفس اتجاه وخط جماعة العلماء، كان موقف متكامل من الجانبين من المرجعية وجماعة العلماء، والذين يعملون في خط جماعة العلماء، كان هذا التأثير الأول، والتأثير الثاني كما قلت كانوا بداية لهذا النمو. وهناك شيء ثالث يمكن أن يُذكر في المقام أو هؤلاء الجماعة تمكنوا من مقاومة أو منع وقوع الكثير من الانحرافات السياسية والحيلولة دون ازدياد الانحراف السياسي في الوضع في العراق إذ لولا وجود هذا التيار فقد كان من المؤكد أن الانحراف يستمر في العراق بشكل أكثر وأعمق خلال الثمانينات الهجرية، وكانت الحكومة بعد ذلك تحسب حساب التيار الإسلامي عندما تتخذ قرارات أو تشرع تشريعات أو تحاول أن تتخذ مواقف معينة سياسية، هذا التيار الذي كانت تمثله المرجعية حينذاك.

س11: ما المقصود من الانحراف السياسي؟ وهل كان هذا الانحراف في جهة اليمين أو في جهة اليسار؟

الشيء الذي قلته في تحجيم التيار الماركسي دليل الانحراف نحو اليسار، وأيضاً كان التيار اليميني المتمثل بالحزب الوطني الديمقراطي وبقايا العهد البائد، وكذلك التيار القومي الذي كان يقود مصر بشكل رئيسي.

أخذت كل هذه التيارات تحسب حساب لجماعة العلماء أو بتعبير آخر خط جماعة العلماء في المرجعية، وهؤلاء العلماء الذين كانوا يتعاونون مع المرجعية باسم جماعة العلماء ثم أبناء هؤلاء العلماء هذا في الحقيقة كان له تأثير كبير في تحجيم هذا الانحراف الذي كان يسعى إليه اليمنيون باعتبار أنها أصبحت قوة حقيقية.

وبالنسبة إلى السياسة الداخلية أضيف هذه النقطة وهي أن سياسة الحكومة العراقية خصوصاً حكومة ما بعد عبد الكريم قاسم تجاه الأكراد، كان لهذا التيار تأثير كبير جداً عليها فكان يشلّ فعالية الحكومة في تدمير الشعب الكردي والقضاء على كل مقاومته بروح قومية عنصرية، فالتيار المرجعي في النجف وقف موقفاً مبدئياً، هذا الموقف يتمثل في رؤية أن الأكراد أناس مسلمين ويجب أن يعاملوا كمسلمين ولا يعاملوا كأشخاص يعيشون في بلد غريب عنهم أو أنهم يعيشون في بلد عربي ويعاملون من هذا المنطلق، بل هم يعيشون في بلدهم ووطنهم وشركاء مع إخوانهم المسلمين العرب فيه، فقد تمكنت جماعة العلماء والمرجعية الدينية من خلال هذا التيار أن يؤثروا في السياسة الداخلية لهذه الحكومات وأن يحجموا – إلى حد كبير – العمليات العدوانية ضد اللأكراد.

س12: هل كان له تأثير في العلاقات الخارجية (خاصة علاقات عبد الكريم قاسم مع الاتحاد السوفياتي بعد أن كسب الشيوعيين)؟

الشيء الذي أنا احتملته في هذا الموضوع هو أن عبد الكريم قاسم كان يستفيد من هذا التيار كورقة لعدم إعطاء نفوذ أكبر للسوفيات في العراق، خصوصاً إذا لاحظنا بأن عبد الكريم قاسم له ارتباطات حقيقية مع الغرب. فمن وجهة نظري أن عبد الكريم قاسم جاء نتيجة لانقلاب عسكري مخطط له من قبل بريطانيا، على اعتبار أن بريطانيا أخذت تشعر في الأيام الأخيرة بأنّ نظام نوري السعيد لا يمكن أن يستمر ويبقى في العراق، ومن ثمّ فإنّ العراق أصبح مهدداً من قبل النفوذ الأمريكي الذي كانت تمثله بعض التيارات في المنطقة. فتم هذا الانقلاب، كما وجد هذا الانقلاب أن أفضل أسلوب يمكن أن يواجه به التيار القومي هو الاستعانة بالحزب الشيوعي العراقي الذي كانت له قواعد شعبية إلى حد ما في العراق، وعلى هذا الأساس تم التعاون مع الاتحاد السوفياتي وقد كان السوفيات يفهمون ويعرفون هذا الشيء وأن هذا الانقلاب له ارتباطات سياسية وثيقة ببريطانيا، ولكنهم بعد سقوط ستالين (أي الاتجاه الستاليني) ومجيء خروشوف إلى الحكم أصبح السوفيات أكثر تسامحاً في التعامل مع البلدان التي تظهر بطابع اشتراكي أو بطابع تحرري أو بطابع شعبي حيث أصبحوا أكثر تسامحاً في مقام التعامل مع مثل هذه الأنظمة لأنهم أولاً: يفكرون بأن هذه الأنظمة يمكن أن تصبح أسواقاً تجارية لبيع منتجاتهم، ومن ثمّ يستفيدون من الناحية الاقتصادية.

ثانياً: أنهم يفكّرون على المدى البعيد أنه من الممكن من خلال التعامل مع مثل هذه الأنظمة وفتح القنوات والجسور معها وإن كانت هذه الجسور جسوراً تجارية وغير واقعية وحقيقية أي جسور شكلية؛ لكن من الممكن أن يتطور الوضع والنظام بحيث يتشبثوا بمستوى أعلى في ذلك البلد، ومن ثمّ يقيموا نظاماً موالياً لهم بشكل كامل.

وتوجد شواهد كثيرة في تاريخنا المعاصر على هذا الأمر، من تلك الشواهد ما وقع في أفغانستان في السنة الماضية فإن نظام داوود خان الذي جاء بعد النظام الملكي كان نظاماً غير سوفياتي يعني غير موالٍ للسوفيات؛ لأنه كانت له ارتباطات غربية إلا أن النظام أمكن التعاون معه بشكل أولي عن طريق المستشارين والمساعدات وما أشبه ذلك، وبعد ذلك أمكن للسوفيات أن ينقضّوا على هذا النظام ويستبدلوه بنظام شيوعي موالٍ لهم بصورة كاملة (نظام ترمكي) اي بعد نظام داوود خان وبعد النظام الملكي الذي أعلن الجمهورية الذي لم يكن موالياً للسوفيات مئة بالمئة، بل حاول أن يرتد عن السوفيات أخيراً ويضرب الحزب الشيوعي؛ ولكن السوفيات باعتبار تشبثهم عن طريق إقامة علاقات بيع أسلحة ووجود مستشارين، وما أشبه ذلك في المنطقة تمكنوا من أن يؤثروا في المنطقة ويجعلوا النظام موالياً لهم بصورة تامة، وهذا الشيء أيضاً حاولوه مع عبد الكريم قاسم، ومن المعلوم بأنه غير مرتبط بهم؛ ولكن من خلال التعاون يعني من خلال هذه الورقة أن يتعاونوا مع عبد الكريم قاسم ومن ثمّ يحصلوا على نفوذ أكبر للحزب الشيوعي، وحاولوا عن طريق إيجاد تغلغل للحزب الشيوعي في العراق أن ينقضوا على نظام عبد الكريم قاسم ويقيموا نظاماً شيوعياً موالياً لهم؛ ولكن ظروف المنطقة وذكاء وتغلغل الإنكليز الأكثر في العراق؛ بالإضافة إلى ذكاء عبد الكريم قاسم، كان حاجزاً لهم عن القيام بهذا العمل، فعلاقات عبد الكريم قاسم مع السوفيات وإن كانت علاقات حسنة بمعنى من المعاني إلا أنه لم يكن نظام عبد الكريم قاسم موالياً للسوفيات (لم يكن موالياً سياسياً) وإن كان نظام عبد الكريم على حساب الواقع السياسي موالياً للغرب، ولذلك عندما حاول الحزب الشيوعي أن يدخل الحكم وطرح شعار: (عاش زعيمي عبد الكريمي     حزب الشيوعي في الحكم مطلب عظيمي)

هذا الشعار الذي طرح في كل العراق واخذ أعضاء الحزب الشيوعي يتظاهرون ويقيمون ندوات كثيرة من أجل طرح هذا الشعار. عندما طرح هذا الشعار ووقف عبد الكريم قاسم في مقابل هذا الشعار ولم يسمح باشتراك عنصر واحد في الوزارة يكون منتمياً للحزب الشيوعي انتماء رسمياً – طبعاً كان في الوزارة شيوعيون؛ ولكن لم يكونوا منتمين إلى الحزب الشيوعي، إنهم كانوا شيوعيين في العقيدة وليس في الارتباط التنظيمي الحزبي ـ وقد وقف عبد الكريم في مقابل هذا وألقى خطاباً بعد عدة أيام في نقد الشيوعيين ووصفهم بأنهم فوضويون وطرح هذا العنوان وأخذ يعتقل الشيوعيين ويسجنهم ويعذبهم ويحاسبهم على تصرفاتهم، وكان عمل عبد الكريم قاسم هذا هو محاولة تقليص هذا المدّ الذي اوجده، وطمح إليه الشيوعيون من الاشتراك في الحكم، كان يقوم بهذه المعادلة، وكان يريد أن يحكم فردياً حيث كان دائماً يحاول أن يحتفظ بالحزب الشيوعي كقوة موجودة في البلد وبالاتجاهات الأخرى وبالأحزاب أيضاً كقوة معارضة، كان يريد دائماً أن تبقى المعادلة موجودة حتى يبقى هو حاكم، ولم يسمح لهؤلاء أن يحكموا ولا كان يسمح لأولئك أن يقتربوا من الحكم أو يتسللوا عليه وكان يخشى من الدعم الخارجي المتمثل بالجمهورية العربية المتحدة في مصر.

أنّه يحتفظ بالحكم إلى أن وقع انقلاب سنة 1963م ضده من قبل حزب البعث العربي الاشتراكي بالاشتراك مع كل الفئات القومية الموجودة في العراق وبالتعاون مع المخابرات الأجنبية التي أصبحت لا تعتمد على حكومة عبد الكريم قاسم في تنفيذ مصالحها.

س13: هل ضربة عبد الكريم قاسم للشيوعيين كانت قبل فتوى المرحوم السيد الحكيم أو بعدها؟

إنه بدأ بهذه العملية قبل فتوى السيد الحكيم؛ ولكن لم تكن بعنوان أنهم شيوعيون، ولم يطرح عنوان الشيوعيين، وإنما بعنوان الفوضويين، على اعتبار أنهم ارتكبوا مجازر في كركوك والموصل من قبل الشيوعيين فانتهز هذه الفرصة؛ ولكنه لم يتهم الشيوعيين، وإنما اتهم الفوضويين، بعد ذلك أجاز الحزب الشيوعي المزيف، أما الحزب الشيوعي الذي كان مدعوماً من قبل السوفيات والأكثر قواعداً في العراق وهو حزب (اتحاد الشعب) باعتبار أن صحيفته كانت باسم (اتحاد الشعب)، فلم يمنح الإجازة بالعمل السياسي وإنما أجاز المجموعة الأخرى التي كان يرأسها داوود الصائغ، وأذن لها بإصدار جريدة يومية.

أما الشيء الذي تحقق بعد فتوى السيد الحكيم ضد الشيوعية فهو المقاومة الشعبية ضد الشيوعيين والحزب الشيوعي والشيوعيون في العقيدة. فالشيء الذي صنعه عبد الكريم قاسم هو أنه لم يضرب الحزب الشيوعي وإنما قاوم هذه الحالة التي افترضها (فوضوية)، حالة الهيمنة والسيطرة على الأجهزة والقيام بفعاليات منفصلة عن فعاليات الحكومة يعني حكومة داخل الحكومة، هذه الحالة لم يكن يقبلها عبد الكريم قاسم، كان يريد أن يبقى الحكم بيده كمهيمن على الحكم، وبالفعل تمكن من ذلك حيث بقي المسيطر الأول والأخير على الحكم في العراق إلى حين حدوث الانقلاب ضده وبقي يحتفظ بالحزب الشيوعي كأداة موازنة وتعادل في العملية السياسية التي كان يفترضها في المنطقة. وهناك بعض الاتهامات نستطيع أن نجزم بها وهي: أن بعض قادة الحزب الشيوعي في العراق كانوا أيضاً لهم ارتباطات بالمخابرات البريطانية مع العلم بأن الحزب الشيوعي ككيان سياسي كان مرتبطاً بالاتحاد السوفياتي.

س14: هل فتوى المرحوم السيد الحكيم كان لها تأثير على ضعف نظام عبد الكريم قاسم؟

في الحقيقة أن الفتوى نفسها لم تؤثر على حكومة عبد الكريم، أما الشيء الذي أثر على حكومة عبد الكريم هو مقاومة السيد الحكيم لحكومة عبد الكريم، وبعبارة أخرى أن السيد الحكيم كان له عملان، أحدهما: هو الفتوى التي أصدرها ضد الشيوعيين، والعمل الآخر: هو عمل أساسي ورئيسي وهو معارضة الحكم الفردي لعبد الكريم قاسم والوقوف ضد بعض القوانين المخالفة للقرآن بشكل واضح التي أصدرها عبد الكريم قاسم كقانون الأحوال الشخصية. وقد كان له موقف واضح جداً من خلال الاحتفالات والكتابات وبرقيات العلماء والنشاطات الجماهيرية. وقد كان لهذا التأثير الفاعل في إضعاف حكومة عبد الكريم قاسم وانخفاض شعبيته حيث كانت له شعبية كبيرة في أواسط الشعب العراقي؛ لكن هذه الشعبية تأثرت إلى حد كبير بهذا الموقف، وظهر ذلك التأثير في:

أولاً: الشيوعيون لم يعطوه الدعم الكامل المطلق بأمل أن يهيمنوا على الحكم، حيث أخذوا يقلّصون هذا الدعم، وكذلك هم أيضاً أصابهم تدريجياً الصمود باعتبار المواجهة الشعبية ضدهم.

ثانياً: أن موقف السيد الحكيم والعلماء وكل التيار الإسلامي بشكل عام والأشخاص الآخرين الذين كانوا يعملون في هذا الطريق وباقي الأحزاب المناوئة لعبد الكريم قاسم كل هؤلاء أثروا على طبيعة عبد الكريم قاسم تأثيراً كبيراً جداً. كان السيد الحكيم واقفاً ضد عبد الكريم قاسم شخصياً حيث أنه لم يكن على استعداد أن يقبل الاجتماع معه. وكانت هناك احتفالات تقام في النجف سنوياً وفي غير النجف أيضاً في مناسبات مواليد ووفيات الأئمة (ع)، حيث كان يؤكد في هذه الاحتفالات بشكل رئيسي على عدم شرعية الأحكام التي شرعها عبد الكريم قاسم والتي كانت مناوئة للقرآن، وفي هذه الاحتفالات وإن لم يُذكر عبد الكريم بالاسم باعتبار حالة القمع الموجودة ضد من يذكر عبد الكريم بالاسم بشكل علني وإنما يتحدث عن الأنظمة والتشريعات التي شرعها عبد الكريم قاسم والتي تبناها بشكل خاص والتي لم يتبناها أي حزب غيره شخصياً، وكان من الواضح أن الانتقاد موجه له، وكانت هناك مطالبة مستمرة ومتلاحقة لهذا الموضوع الأمر الذي أدى إلى كشف وضعف شخصيته.

س15: هل انخرط الشباب في هذه الحكومة؟

أقول إنه في البداية تكونت هناك منظمة بعنوان أنصار جماعة العلماء وبعد ذلك أنصار الإسلام وكان المقصود منها هو جمع الشباب المؤمن الصالح لتأييد هذه الجماعة لنشر منشوراتها وتوزيع مجلاتها والقيام بالاحتفالات في الإطار الإسلامي، ثم بعد ذلك القيام بفتح مكتبات صغيرة دينية يتجمع فيها الشباب ويتعاملون على هذا الشكل ثم وُلد في أحضان كل هذا الجو الذي كونته جماعة العلماء والتي مدت فيه الجسور بين العلماء وبين الشباب المثقف، ولدت التنظيمات السياسية التي منها حزب الدعوة الإسلامية الذي انخرط فيه الشباب، حيث كان هناك شعور عام بأن هؤلاء كانوا لقاء جماعة العلماء، هذا الشعور كان موجوداً، حتى أن الاتهام الذي وجه إلى الشهيد السيد الصدر في بيانات الحكومة العراقية وفي اتهام حزب الدعوة كان يقرن هذا باسم جماعة العلماء، على أساس أنه يفترض أن جماعة العلماء هي في الحقيقة بدايات للحزب الإسلامي في العراق والذي تطور إلى حزب الدعوة. وموقف حزب البعث في أوائل الستينات قبل أن يأتي إلى الحكم سنة 1963م من جماعة العلماء ومن السيد الشهيد الصدر ومن حزب الدعوة فيما يتعلق بهذا الموضوع ومحاربتهم كان من ذلك الوقت سنة 1960 قبل أن يأتوا في المرة الأولى أيضاً.

هؤلاء الشباب وحزب الدعوة كانوا في خط جماعة العلماء والمرجعية كما كان الشباب في إيران قبل الثورة. يجب أن نشير هنا إلى نقطة بأن جماعة العلماء على اعتبار أنها كانت مدعومة من قبل السيد الحكيم، ثم لما توقفت جماعة العلماء عن النشاط بعنوانها الخاص يعني إصدار المنشورات ولم يبق من نشاطها إلا مجلة الأضواء، فالسيد الحكيم كمرجع هو الذي تبنى هذا النشاط يعني مرجعية السيد الحكيم بانتماءاتها وبقدرتها وبإمكاناتها تبنت هذا النشاط بشكل كبير بحيث أصبح هذا النشاط ينسب إلى مرجعية السيد الحكيم. ونفس جماعة العلماء يمكن أن تفترض أيضاً إلى حد ما كشيء مرتبط بمرجعية السيد الحكيم وإن لم يكونوا جماعة السيد الحكيم إلا أنه على اعتباره مرجع كان له القوة الأولى في النجف في ذلك الوقت. والظروف السياسية فرضت تكاتف العلماء واجتماعهم على أمر واحد فتكونت جماعة العلماء. ولما توقفت جماعة العلماء عن نشاطها الكامل وانحصر فقط في مجلة الأضواء التي كان يدعمها السيد الحكيم ويمدّها بالمال لم يكن يهتم أن يكون الأمر باسمه الشخصي، استمرت المرجعية في هذا النضال إلى أن توفي السيد الحكيم رحمة الله عليه.

وهؤلاء الشباب كلهم يشعرون بالانتماء له يعني بعلاقتهم به وبالعلاقة بالشهيد السيد الصدر، والشهيد الصدر ما كان يُعتبر من طلاب السيد الحكيم ولا من المرتبطين به مرجعياً، لكن كان يتعاون مع السيد الحكيم من خلال هذا الموقع أي موقع مسند للفكر الإسلامي والخط الإسلامي، كان يتعاون أكثر مما كان يتعاون معه بعض أقرب الناس إلى السيد الحكيم ومن جماعة السيد الحكيم.

كانت هناك أعمال بطولية للشهيد السيد الصدر تعرض فيها للموت في سبيل هذا الخط من جملتها: عندما اتهم السيد مهدي الحكيم من قبل حزب البعث بالتعاون مع بعض المنظمات التي كانت متهمة بالارتباط بالغرب هوجم دار السيد الحكيم في الكاظمية من أجل التفتيش عن السيد مهدي الحكيم ولكن السيد مهدي لم يكن في الدار، ونتيجة لهذا الاعتداء أصاب الناس خوف شديد جداً وحتى أقرب الناس إلى السيد الحكيم كان يخاف أن يأتي إلى داره حتى بعض أولاده وفي صباح ذلك اليوم كان أول الناس الذي وصل إلى دار السيد الحكيم من النجف وليس من بغداد كان السيد الصدر وقال: أنه لا ينبغي علينا أن نسكت في هذا الموضوع (وكان من الواضح للناس أنه هو المرجع في المستقبل) وقال نحن مشتركون جميعاً في المسؤولية وليس لنا أن نجعل السيد مهدي والسيد الحكيم وحدهما في الساحة يجب علينا أن نصدر بياناً ونوقّع عليه جميعاً ونثبت به هذا الوضع وهذا التعسف والعدوان ونقدمه إلى الحكومة ولو أدى ذلك إلى أن نقتل على أثر هذا ( وكانوا يقتلون حقاً لو أنهم كانوا قد قدموا هذا الاعتراض)، وكان يقول هذا بإخلاص وتقدّم إلى هذا العمل لوحده ولم يقترح عليه ذلك شخص حتى قلنا له هذا ليس من المصلحة.

وموقف آخر هو أن حمل نفسه وسافر إلى لبنان من أجل هذه القضية، بعد أن تطور الوضع بين السيد الحكيم وحكومة البعث وأصبح حصاراً للسيد الحكيم، وتطورت القضية إلى مواجهة المرجعية وتسفير بعض العلماء والمعممين والكسبة إلى إيران انتقاماً من الحوزة العلمية في النجف، في هذه الفترة سافر السيد الشهيد إلى لبنان وقام بحملة إعلامية واسعة جداً لم يكن يعرف بها أحد إلا القلة من الناس. وعلى اعتبار أن السيد الحكيم كان مطلعاً على هذه الفعاليات والأعمال وكان يخاف على حياة السيد الشهيد من عدوان البعثيين قال: أنه ليس من المصلحة أن يرجع السيد الصدر إلى العراق؛ لأنه يقتل وكان هذا أيضاً رأي بعض أصدقائه في لبنان؛ ولكنه كان مصمماً على الرجوع وقال يجب أن أرجع ورجع بالفعل ولم يتعرض إلى شيء؛ لأنه تمكن بذكائه من أن يخفي دوره الحقيقي في لبنان على السلطات الغاشمة في بغداد.

([1]) طرحت في هذه الفترة مشروعية قيام الحكومة الإسلامية وأتذكر أنّ السيد الشهيد الصدر كتب رسالة خطية في الاستدلال على مشروعية الحكومة، وقد كنت أخذت هذه الرسالة وعرضتها على بعض المجتهدين المعروفين حينذاك من أجل تأكيد هذه الفكرة وتطويرها. كما أنّ السيد الحكيم استُفتِي في مشروعية الحكومة الإسلامية وكان جوابه بالإثبات. وقد كان يعتبر أنّ هذا التفكير قفزة في الفكر الفقهي حينذاك بعد أن انحسار الإسلام عن الحياة الاجتماعية وأصبحت هذه الفكرة غريبة بدرجة أنّ الفقيه الكبير الشيخ ميرزا حسين النائيني وأصحابه اهتموا بجمع رسالته التي كتبها بالفارسية لتأكيد مشروعية الحكومة الإسلامية (المشروطة) وكان نشرها في مجلة العرفان اللبنانية يعتبر عملاً فدائياً له.

([2]) من الجدير بالذكر أنّ البعثيين في العراق تنبهوا إلى خطورة التيار الإسلامي على وجودهم باعتبارهم أدق التنظيمات القومية فكراً وحساسية ولذا فقد شنّوا حملة واسعة على مجلة الأضواء سنة (1960) في النجف الأشرف واستعانوا ببعض المعممين الذين كانوا يتعاطفون معهم لأسباب شخصية كما استفادوا من البعض الآخر منهم، وكان مركز هذه الحملة هو السيد الشهيد الصدر ومجموعة من العلماء من جملتهم المتحدث ولا زلت أحتفظ بمجموعة نادرة من رسائل السيد الشهيد الصدر التي يتحدث فيها عن هذه الأزمة وأسبابها حيث كنت حينذاك في لبنان.

([3]) هذا بالرغم من أنّ الشهيد الصدر لم يكن عضواً رسمياً في الحركة لأنّه كان صغير السن بالنسبة إلى هذه الطبقة وكان أخوه المرحوم آية الله السيد اسماعيل الصدر أصغر الأعضاء في هذه الحركة وكان الشهيد الصدر حينذاك لا يتجاوز السادسة والعشرين.

([4]) بالمناسبة أتذكر حادثة طريفة وتاريخية هي أنّ مجموعة من طلائع الحركة الإسلامية وأبناء جماعة العلماء وكانوا قد وضعوا دستوراً إسلامياً وكان الواضع له بالأساس السيد الشهيد الصدر، ثمّ جرت مداولات مع بعض العناصر من الإسلاميين من أبناء السُنة لمناقشة ورقة الدستور والاتفاق عليه، وكانت الورقة تتبنى مذهب أهل البيت وتفترض أنّه الحل للمشكلة في القضية الإسلامية وثمّ الاجتماع في سرداب غرفة من غرف مدرسة القوام حيث إنّ كلّ غرفة فيها سرداب يتم النزول إليه من داخل الغرفة، وكانت مدينة النجف حينذاك تعيش جواً إرهابياً من قبل العناصر الشيوعية التي وضعت على رأس كل زقاق رقيباً من أفرادها، وعندما كانت المناقشات حامية إذا بأحد العناصر يطلّ علينا من أعلى الدرج وبادر صاحب الغرفة إلى الصعود إلى أعلى للاطلاع على مجريات الأمور، فإذا به يشاهد مجموعة من عناصر الشيوعيين يجمعون الناس بدعوى وجود مؤامرة على النظام الجديد في هذا السرداب ومن ثم كانوا يحاولون الهجوم على الاجتماع إلاّ أنّه تدخّل بعض الشخصيات النجفية وغيرهم لإنقاذ الموقف وبادرنا لفض الاجتماع وقد كنت أحد المجتمعين في هذا السرداب. وكان ذلك في أوائل سنة (1959م).