مقابلة مع الشيخ محمد علي التسخيري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، لقاؤنا اليوم مع سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد علي التسخيري، واليوم هو يوم الجمعة، السابع من شهر شعبان المعظم، سنة ألف وأربعمئة وأربع للهجرة النبوية على صاحبها أشرف التحية.

س: سماحة الشيخ كيف كانت بدايات معرفتكم بالشهيد الصدر؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن على جميع الظالمين من الآن إلى قيام يوم الدين، تحية للإسلام العظيم الذي أبدع هذه المعاجز وتحية للإمام الخميني القائد حفظه الله وأدام ظله، ووقفة إعجاب أمام شخصية أستاذي الشهيد السيد الصدر رحمة الله عليه وأسكنه الله الفسيح من جناته..

تعرفي على الشهيد ربما كان في أوائل الستينات، وقبل ذلك كنت أسمع صدى أفكار المرحوم الشهيد تنتشر بين الأوساط المثقفة المسلمة في النجف، وكنت أرغب في معرفة شخصه الكريم عن كثب ولم أوفق إلى ذلك إلا كما قلت في أوائل الستينات حيث بدأت بمطالعة كتبه مطالعة نهمة، وبعد صارت لدي تلك القابلية أن أحضر دروسه القيمة واصلت حضورها صباح مساء، وربما كانت تشكل أهم غذاء علمي نأخذه في اليوم دروس المرحوم الشهيد الصدر، بل أننا لم نكن لنستطيع أن نواكب التلقي الكامل من البحوث نتيجة ولاتساع آفاقها من هنا كانت البداية.

والذي أريد أن أقوله هنا إنّ هناك نمطين من الأساتذة في النجف أو ربما في كل مكان، هناك أستاذ يعجب به تلميذه إعجاباً علمياً؛ لكن لا يحس بتلك العلاقة الروحية الفريدة التي تربط الأب والابن، وهناك نمط آخر يرتبط التلميذ من خلاله بأستاذه ليس ارتباطاً علمياً فحسب وإنما يدخل هنا العنصر الأخلاقي والعاطفي والروحي فينشد التلميذ بأستاذه انشداداً قوياً ويحل أستاذه محلاً خاصاً من قلبه، كمثال على هذا مسألة، تلاميذ المرحوم الشيخ الأصفهاني الشيخ محمد حسين الأصفهاني، فتلاميذه يحملون إعجاباً علمياً وروحياً وانشداداً عاطفياً قوياً، وتلاميذ الإمام الخميني حفظه الله، تلاميذه كانوا يعبرون عن علمه، بأنهم يرشفون من نمير علمه؛ ولكن العبء الأساسي كان من روحيات الإمام القائد حيث كانت كلمات الإمام تصوغ التلميذ صوغاً روحياً، الشهيد مطهري عندما يتحدث عن أستاذه يطرح الجانب العلمي؛ ولكن يتحدث عن حالة المنعطف الأساس الذي مر به في حياته عندما التقى واستمع إلى أحاديثه الأخلاقية الحية، يبدو أن السيد الشهيد كان يحس بأن الكثيرين من تلاميذه يتعلقون به عاطفياً كثيراً؛ ولذلك كان يوجه لهم شيئاً يمنعهم من الذوبان المطلق في شخصية الأستاذ، ويرشدهم إلى ذوبان واعٍ يعني ما دام الأستاذ في الخط فالتلميذ يعيش معه ويذوب فيه ولكن يحتفظ بروحه الناقدة التي تراقب حتى مسيرة الأستاذ وتنتقد أي لقلقة صدرت منه في نفس الوقت الذي تذوب فيه.

صدرت أخيراً كلمة أعني شاعت هذه الكلمة التي كتبها الشهيد لتلاميذه في قم وتشرفت أن أكون أصغرهم كان يقول عليكم بالذوبان في شخصية الإمام الخميني كما ذابت هي في الإسلام، الكثيرون ينظرون إلى هذه العبارة نظراً مطلقاً، في حين حتى لو كانت الشخصية شخصية عظيمة كالإمام القائد بكل ما فيها من عظمة نجد أن الشهيد يقول ذوبوا في الإمام ذوبان الإمام في الإسلام والإمام عندما ذاب في الإسلام بوعي ودقة وتفكير وعمق، تفكير فلسفي وعرفاني في آن واحد، فالذوبان إذاً ذوبان واعٍ هذا ما كان يؤكده المحروم الشهيد، على أي حال، منذ أوائل الستينات وفقت لأن أنعم بفيوض هذا الإنسان الكريم.

س: متى كانت بداية حضروكم في بحث السيد بالضبط؟

تعرفي عليه قبل حضوري بحثه، أتصور أنه ربما في السادسة والستين هكذا.

س: كم سنة دام البحث؟

ما يقرب من خمس سنوات أو أربع، إلى الوقت الذي هجّرنا فيه من النجف.

س: سماحة الشيخ، ما هو رأي الشهيد الصدر مفصلاً في الأمور التالية مثلاً في الفقه الشيعي والفقه السني؟

نستطيع أن نستكشف رأي الشهيد الصدر في هذين الأمرين من كتاباته، ومن بحوثه ومن عشقه لفقه أهل البيت سلام الله عليهم، الشهيد الصدر كان يتعامل مع فقه أهل البيت كتعامله مع حقيقة كبرى إلهية نابعة من منبع الوحي باعتبار أن أهل البيت كانوا يعبرون عن ما يعبر عنه رسول الله نفسه أو حديثهم هو حديث رسول الله فرأيه أن الفقه الشيعي يستطيع أن يغني الحياة كلها، وكما أعلم أن رأيه في الفقه السني بطبيعة الحال رأي يصوره على أنه فقه لا يستطيع أن ينهض بتنظيم نظام الحياة كلها وطبيعي بعد أن رأى كل هذا الثراء في فقه أهل البيت وتعمق فيه إلى هذا المستوى أن يرى في الفقه السني انه لا يستطيع النهوض بهذا المستوى؛ ولكنه عندما كان يؤكد ضرورة فهم النظرات الفقهية السنية في نفس الوقت يؤكد ضرورة أن يفهم السنة النظرات الفقهية الشيعية.

س: سماحة الشيخ، ماهو رأي الشهيد الصدر في الأصول أي أصول الفقه، وما هو الجديد الذي أضافه، ما هو الاتجاه الذي سلكه في تحديده إذا كان عنده تجديد في الأصول؟

الواقع هو كان يرى أن هناك منعطفات في مسيرة علم الأصول، وضخامة هذه المنعطفات مثلاً المدرسة الحديثة التطوير الكبير ما قبل الأخير مثلاً تم على يد المرحوم الوحيد البهبهاني جاء المرحوم الشيخ الأنصاري فأعطاه دفعة قوية ولكنه في إطار التطوير السابق واستمر هذا التطوير يتنامى ويتنامى وأعطاه العلماء الآخرون كالمرحوم الآخوند والمرحوم الميرزا والشيخ الكمباني والشيخ العراقي وتلاميذهما، وتلاميذهم أعطوا دفعة ضخمة لكنها لم تستطع أن تشكل منعطفاً في مسيرة علم الأصول، وكان يرى وهو الواقع أنه استطاع أن يعبر مرحلة الوحيد البهبهاني إلى مرحلة جديدة في علم الأصول حيث مدرسته الأصولية بالانسجام الكامل بين النظريات بشكل أساس وتغيير بعض الأسس التي تلقي بآثارها على كل الأصول تقريباً أو على حقول كبيرة من علم الأصول.

مثلاً نظريته في مسألة قبح العقاب بلا بيان، ورأيه في سعة دائرة الطاعة الإلهية لتشكل جانب المحتمل (المحتملات) فالمولوية بنظر المرحوم الشهيد الصدر مولوية واسعة جداً إلى الحد الذي تفرض فيه أنه يرتبط الفرد الذي يحتمل أن المولى يريد شيئاً توجب على الفرد أن ينطلق لينفذ هذا الاحتمال ما لم يرخص له المولى في ذلك مما ينفي قاعدة قبح العقاب بلا بيان ويشكل خطاً جديداً في علم الأصول في هذا المجال الأصول العلمية، طبعاً لا أريد هنا أن أتوسع في الأمر؛ ولكني أقول إنه كان يرى آراءه الفقهية تشكل ذلك المنعطف الأخير الذي يتلو مرحلة الوحيد البهبهاني وان المتتبع بعمق لأصوله يستطيع أن يتأكد من ذلك.

س: سماحة الشيخ، رأيه في الفلسفة وماذا أبدع في هذا المجال؟

الواقع أن الشهيد الصدر باعتبار عمقه الفكري من جهة وباعتبار إيمانه الشديد بالحقيقة الإلهية وباعتبار أنه كان عندما ينظر إلى الإسلام بروحه يرى أن الإسلام دين لتنظيم وتربية البشرية والمجتمعات الإنسانية، هذه النظرات الثلاث اختلطت في فلسفة الشهيد الصدر، وأنت تجده عندما يريد أن يطرح الآراء الفلسفية في فلسفتنا ليقدم لهذا الطرح بالمقدمة الاجتماعية ففي كتابه فلسفتنا مقدمة طويلة تطرح الجانب الاجتماعي من النظريات القائمة ودور الدين في حل مشكلات الحياة الإنسانية وبعد هذه المقدمة ينطلق ليبين الرأي الفلسفي الإسلامي ( في الواقع) فإذا هذا الانطلاق من مقدمة اجتماعية إلى ضرورة الدين كحقيقة قائمة موضوعية ومن ثمّ إلى بيان وجهة نظر الدين الكبرى حول الكون وحول الحياة والإسلام وتوضيح هذه الحقيقة لنا وكيف امتزجت الفكرة الدينية بالإيمان العميق والتعلق الدقيق والروح الاجتماعية امتزجتا فكونتا التصور الفلسفي لدى الشهيد الصدر، إذاً خلاصة الأمر أن الشهيد يرفض أن يتطلب العمق الحر في نفس الوقت الذي يحمل فيه الروح الإيمانية العارفة وفي نفس الوقت الذي ينغمس فيه في المجال الاجتماعي ليطرح كل الأفكار الفلسفية وكل الأفكار الدينية باتجاه بناء المجتمع، أنا اعتقد أن هذه العوامل الثلاثة تشكل العناصر التكوينية لفلسفتنا.

س: سماحة الشيخ، رأيه في الاقتصاد الإسلامي، وكذلك ما أبدعه في هذا المجال وهل له رأي خاص؟

للشهيد الصدر خاصية ربما تطرح في مجال مميزات فكره عوماً، وربما أتحدثها في مجال آخر وهي خاصية واضحة وهي التنظير، الشهيد الصدر كان يتمتع بأنه حتى إذا نظر إلى قضية جزئية حاول أن يكتشف من خلفها القانون الذي يشمل غيرها في آن واحد، وإذا أراد أن يطرح قضية تاريخية انتقل إلى القانون التاريخي الذي يشمل هذه القضية التاريخية وغيرها حتى في الجانب الفقهي عندما يطرح مسألة فقهية ينتقل للقاعدة التي تشملها والمورد وغيرهما، مسألة الإمامة عندما يطرحها الشهيد الصدر يطرحها على أنها امتداد لقانون السنة الإلهية في هداية البشرية بشكل كامل، اقتصادنا أيضاً عندما تحدث عن الشهيد الصدر عن الاقتصاد الإسلامي، نقد كلتا الأطروحتين العالميتين اللتين تتحدثان عن الاقتصاد الإسلامي تطرحان رؤاهما في هذا المجال ثم طرح أطروحة الإسلام الاقتصادية العالمية التي تشكل كل جوانب الحياة الاقتصادية من زاوية طرحه للقاعدة، قاعدة النظام الاقتصادي الإسلامي هي المذهب الاقتصادي الإسلامي لما لم يكن المذهب معطى لنا بالنصوص والأسس المحددة، فقد راح يكتشف المذهب من خلال أسسه التحتية أي أنه يرى أن البناء الاجتماعي – وهذا هو الشكل المنطقي – يمكن أن يتصور من عدة مراحل:

المرحلة الأولى مرحلة الأرضية، والأرضية تتكون من طابق سفلي أساسي هو العقيدة، وطابق يبتني على العقيدة وهو المفاهيم التي ترتبط بمرحلة العمل، ومرحلة أخرى أو طابق آخر يبتني على أساس العقيدة والمفاهيم هو العواطف الإسلامية أو هي العناصر كلها تشكل أرضية النظام الاجتماعي، بل أرضية الأحكام الإسلامية الأرضية الأساسية التي ينطلق منها الحكم الإسلامي لينسجم مع الفطرة، في ضوء هذه الأرضية تأتي النظم الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والجزائية وما إلى ذلك، فهو راح يكتشف النظام الاقتصادي الإسلامي تارة من العقيدة والمفاهيم المبتنية عليها فهذا اكتشاف من طابق سفلي إلى طابق علوي.

ثم راح يكتشف مذهب الاقتصاد الإسلامي من طابق أعلى كأنه يأتي بعد طابق المذهب الاقتصادي الإسلامي يأتي النظام الاقتصادي الإسلامي والنظام الاقتصادي السفلي أي من طابق النظام الاقتصادي عمل على اكتشاف المذهب الاقتصادي والقواعد العامة التي تحكم كل فروع النظام وجزئياته ـ أو قولوا روح النظام الاقتصادي تتمثل بالمذهب الاقتصادي، وحاول هو أن يكتشف المذهب من النظام، ويعطي هذه الأطروحة الاقتصادية الرائعة التي شاء لها الشهيد الصدر أن تشكل بداية أخرى أضخم وأوسع وأعمق كما هو يطلب ذلك في مقدمة اقتصادنا؛ ولكن لما كان البحث عميقاً ومستوفياً لم نستطع أن نجد دراسات تأتي بعده فتحاول أن توسع منه أو تضفي عليه شيئاً جديداً.

نحن نعلم أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وأن هناك ضرورة جداً للتوسع في هذا المجال؛ ولكن للأسف لم نجد بحوثاً تضيف إليه شيئاً جديداً لحد الآن، على أي حال هو كان يعتقد بالنظام الاقتصادي الإسلامي على أنه أفضل النظم وأجدرها في حل مشاكل البشرية بشكل كامل وكان يتجه في تصوره للمذهب الاقتصادي الإسلامي اتجاه العدالة الاجتماعية التي تنفي كل ما نجده اليوم من ظاهر منحرفة في المجتمع المسلم، كان يركز على مسالة التعادل الاقتصادي في المجتمع الأمر الذي لا نجده اليوم، وكان لا يرى وجود طبقات في المجتمع الإسلامي أبداً؛ ولكنه كان يجيز وجود درجات في الطبقة الواحدة يعني هو لا يمانع في أن تكون بعض البيوت مثلاً تختلف عن بيوت أخرى من حيث مستوى السعة وأمثال ذلك ولا يمانع في أن تكون بعض أنماط الدخل تختلف عن أنماط دخل أخرى، طبعاً تبعاً لرأي الإسلام في ذلك ولكن كان يمانع جداً أن توجد طبقية في المجتمع الإسلامي بحيث يعيش إنسان حياة الترف ويعش إنسان آخر حياة الفقر المدقع، يرى أن ذلك ليس من الإسلام ويستدل عليه، فهذا هو الواقع على أي حال يتجه إلى منحى اجتماعي ضخم في هذا المجال مع الأسف إلى الآن لم تطبق نظريته بشكل كامل في المجتمعات الإسلامية، ونرجو الله أن يوفق الجمهورية الإسلامية لأجل أن تصل إلى الأهداف الاجتماعية التي أشار إليها الشهيد.

س: سماحة الشيخ، رأيه في علم النفس وفي علم الاجتماع باعتبارهما علمين حديثين؟

أنا لا أملك شيئاً محدداً يكشف عن رأيه في هذين المجالين ولا أستطيع أن أحدد منهما موقفاً له، أي أستطيع أن أحدد موقفي أنا لكن موقفه هو لا أعلم؛ لكن يمكننا أن نستنبط هذا الموقف من كتاباته، هو كان يرى أن أكثر هذه العلوم تنحو منحى العمل الواحد في تفسير تصرفات الإنسان أو تفسير حوادث التاريخ، وهو كان يرى فشل النظريات ويكفي في احترامه لها انه يفرد لها فصلاً خاصاً طويلاً يناقشها ويعرض آراءها بقوة ويردها مثلاً ببرهنة وهذا الاهتمام نفسه بها، يعني أنه كان يتجه أو ربما يدعو لفهم هذه النظريات مع الاحتفاظ بالشخصية الإسلامية الأصيلة.

نستطيع أن نقول أن العنصر الثاني من العناصر التي تتميز بها شخصية الشهيد الصدر وفكر الشهيد الصدر هو عنصر الأصالة، وكان يؤمن بأصالة الفكر الإسلامي وبقدرته على النهوض نهوضاً جيداً، وبقدرته على التفاعل العالمي وتمييز الحق من النظريات أو بطلانها، وعلى أي حال نظرة الإسلام هي النظرة الأسمى من كل هذه النظرات، طبعاً هذا لا يمانع أن تطرح هذه النظريات رؤى جديدة في مناطق التعامل الاجتماعي والإسلام إذا رآها جيدة يعيش معها.

سماحة الشيخ، رأيه في الأدب والفن وما شاكل ذلك؟

أيضاً لست أملك نصاً يبين لي رأيه في الأدب ولكني أعلم أنه كان أديباً محلقاً أعلم أنه كانت ريشته ريشة فنان، وتعبيره تعبير أديب محلق، ويكفيك أن تكتشف هذه الخاصية فيه إذا استقرأت ما هي خصائص الأديب والفنان، الفنان عبقري يتعامل مع واقعه، يصب الواقع في روحه أو يصب روحه في الواقع والأديب هو ذلك الإنسان الذي يتحدث بكل مشاعره بأفضل السبل، يتحدث بكل مشاعره بأفضل السبل التعبيرية، ليس الأديب من يستطيع أن ينمق العبارات، وليس الأديب من يصب كل مشاعره في العبارات وإنما الأديب الحق والفنان ـ الأديب فنان في أحد الجوانب ـ هو الذي يستطيع أن يصب روحه بأروع تعبير وابلغه وأوصله إلى المقصود، والمرحوم الشهيد كان يملك هذه الخاصية بشكل واضح، إذا أنت طالعت كتاب (فدك) تجد كيف تتجلى في كل كلمة في كل حرف منه روح عاطفية ولائية رائعة جيدة تنتقي الألفاظ التي تناسبها بكل سهولة فيمكننا أن نستخلص رأيه في الأدب والفن من علمه الفني الأدبي، على أن الأدب والفن يجب أن يعبر عن جانبين الأول روح الشخص وشخصية الشخص بكل قوة وبدون زيف ومراء والجانب الثاني الحلة الجديدة القشيبة التي توصل هذه الروح بأفضل الطرق إلى الخارج، هذه الحلة قد تكون تعبيراً وقد تكون أمراً آخر.

س: سماحة الشيخ، ما هي انطباعات السيد الشهيد الصدر عن مواقف الإمام الخميني السياسية والثورية؟

الذي أعلمه عن أستاذي الشهيد أنه كان معجباً أشد الإعجاب بهذه الشخصية و الذي أعلمه وتثبته النصوص أن الشهيد كان يلمح في هذه الشخصية القدرة القيادية على قيادة العالم الإسلامي نحو الغد الأفضل، فمنذ انطلاقه وسمو وعلو اسم الإمام الخميني في (15 خرداد) وأمثالها كان الشهيد يتفاعل مع هذه الشخصية، وبعد مجيء الإمام إلى النجف كان الشهيد الصدر ينظر إليه كمجدد كبير، وكان ربما يبعث بعض تلاميذه ويحثهم على حضور دروسه وتشكيل حركة الربط بين الحوزة التي كان يديرها الإمام والحوزة الأخرى التي يديرها الشهيد الصدر.

وفي بدايات المرحلة الأخيرة من الثورة تفاعل الشهيد الصدر مع هذه الشخصية أيما تفاعل وكتب للإمام رسائل ملؤها حب وإخلاص وتقدير وإعجاب فكري وعاطفي وبنجاح الثورة الشهيد الصدر كأنه أحس أن حلماً ضخماً جداً من أحلامه التي كان يسعى إليها بل الحلم الوحيد، المتتبع لتعبيرات الشهيد الصدر ولحياة الشهيد الصدر ولكلمات الشهيد الصدر يجد أنه نشأ على مسألة إقامة الحكم الإسلامي وتفاعل معها عاد جزء منها عاد كل كيانه فمجرد أن استطاع الإمام القائد أن يحقق هذه الأمنية السيد الشهيد الصدر وضع كل إمكانياته للمرجعية لخدمة السيد القائد وطلب من كل تلاميذه أن يذوبوا في الإمام كما ذاب هو في الإسلام، وراح هو يؤلف ستة مؤلفات ليقدمها للثورة هدية وراح هو يكتب مقدمة في القانون الأساسي في الدستور الإسلامي حتى يمكن أن يساعد هؤلاء الذين سوف يكتبون الدستور في المستقبل في الخطوط العريضة.

ثم راح يتفاعل اجتماعياً معها، يحرك هذا الحب للإمام في العراق يعطيه زخماً قوياً يفيض روح الثورية ضد النظام البعثي المعارض للحكم الإسلامي، وينطلق من فكرة تحريم الدخول في حزب البعث حتى يصل إلى فكرة للحكم الإسلامي وينطلق من فكرة تحريم الدخول في حزب البعث حتى يصل إل فكرة تجويز العمل الجهادي ضد نظام البعث، وهذه خطوط عظيمة لا ندرك ولم يدرك لحد الآن مدى عظمتها في نظام حكم كنظام صدام.

على أي حال المرحوم الشهيد الصدر وخصوصاً في المرحلة الأخيرة قد فاق حد الإعجاب العادي بشخصية الإمام وفاق حد التعامل معه كمرجع إلى جنب مرجع، وإنما نظر إليه كقائد للأمة وكمخلص للأمة، وكتب إليه أنه يضع كل إمكاناته للمرجعية بخدمته وهذه أسمى مراحل الإعجاب.

س: سماحة الشيخ ما هو دور السيد الشهيد الصدر أيام قيام التظاهرات في إيران وما هو دور السيد الشهيد عندما غادر الإمام الخميني العراق متوجهاً إلى باريس؟

الجواب على الشق الأول من السؤال الذي اعتقد أن أسيد الشهيد الصدر كان يستفتى في مسألة التظاهرات التي كانت تجري في إيران طبعاً سؤالكم أليس كذلك؟ يستفتي من قبل الأقطار المختلفة من قبل مقلديه، فكان يفتي صريح القول أن كل من سقط صريعاً في هذه المظاهرات فهو شهيد في أعلى عليين ونص على ذلك بتصريحات مختلفة لأُناس استفتوه في ذلك مما أعطى بعداً عالمياً لتأييد هذه المظاهرات وهذا التحرك، وبالعكس كثيرون من أبناء إيران انطلقوا كان يودون، وبعضهم شارك فعلاً في هذه الحركة الجماهيرية أملاً في أن يحصل على ثواب أعلى عليين في الجنة فكان يراها مظاهرات على طريق الإسلام، كان يتفاعل معها بقوة وكان يبدي هذا الرأي لكل من يطلب منه ذلك دون أن يخاف في الله لومة لائم، الشق الثاني كان ماذا؟(هو دور الشهيد عندما غادر الإمام العراق) أنا لم أكن هناك في النجف لأعلم ما هو الدور الذي قام به وما هو الموقف.

هل انعكس شيء عليكم وأنتم هنا؟

لم ينعكس علينا لحد الآن ولكن الذي أعلمه أن الشهيد الصدر بدأ يعمق العلاقة أكثر مع السيد الإمام والرسائل رسائل ضخمة كان يرسلها للإمام إلى باريس وكلها تكشف عن تأييد دائم لمسيرة الإمام، أكثر من هذا لا علم لي.

سماحة الشيخ، حول توجيهات السيد الصدر للحركات الإسلامية بالعراق، ما هي هذه التوجيهات وكيف كانت..؟ تفضل علينا بشرح ذلك بالتفصيل إن أمكن؟

أنا مع الأسف لم أكن عندما بدأت مسألة الحركة الإسلامية وعلاقة الحركة الإسلامية مع الشهيد الصدر، لم أكن بينهما حتى أعلم الدقة تفاصيل العلاقة ولكن من خلال استقرائي لمن كانوا في هذا المعنى واطمئناني لمن نقلوا هذه العلاقة أستطيع أن أقول إنّ الشهيد الصدر هو أبو الحركة الإسلامية في العراق وإن الشهيد الصدر ليس هو مجرد مؤسس للحركة الإسلامية المنظمة في العراق، بل هو كل الحركة الإسلامية آنذاك؛ لأنه هو الذي دعا إليها ولأنه هو الذي كان يمونها بتوجيهاته الاجتماعية وأنه هو الذي كان يكتب لها أسسها الفكرية، ولأنه هو الذي كان يكتب لها حتى مواضيعها الفكرية التي كان تتغذى منها فهو كل الحركة الإسلامية، ومن التجني على السيد الشهيد أن يقال أن السيد الشهيد لم تكن له إلا علاقة جانبية بالحركة الإسلامية، السيد الشهيد كان أباها وكلها وهذه نقطة قوة ضخمة جداً في الشهيد الصدر أنه حاول أن يواجه ضربات الاستعمار المنظمة في تشكيل تنظيمات قوية جداً واعية تضم الشباب وتسدد الطاقات.

والتنظيم كما تعلم إذا كان احتفظ بشخصيته الإلهية شخصيته العاملة لله تعالى دون أن يدع لنفس التنظيم أية موضوعية، هذا تنظيم له أكبر الآثار في مواجهة قوى الاستعمار في معرفة العناصر الطيبة في ضم الطاقات إلى بعضها لتفجير طاقة ضخمة جداً في المجتمع ولتربية المجتمع كطليعة تغييرية ضخمة، المرحوم الشهيد اعتبر إنشاءه للحركة الإسلامية وللتنظيم الإسلامي يوازي ما أعطاه من فكر للمجتمع العام كله، عمل ضخم جداً قام به الشهيد الصدر يكشف عن روحه الاجتماعية التي أشرت إليها من قبل.

وبعد أن مشت الحركة الإسلامية والتنظيم الإسلامي كان من الطبيعي أن يتحول الشهيد بعد أن عرفته الجماهير إلى مرجع وأب للساحة الإسلامية دون أن يختص بتنظيم دون تنظيم فالتنظيمات كلها يرعاها والحركات كلها ينسق بينها ويعطيها توجيهاته العامة، من الطبيعي أن يتحول بعد ذلك إلى أب للمجتمع ولا يختص بحركة؛ ولكن هذا لا يعني أنه انعزل عن ما أنتج، وقد كان يوصي بالحركة الإسلامية حتى نهاية حياته ويعتبر أن الحركة الإسلامية هي أمل الأمة والمحقق لهذا الأمل.

شيخنا، هل كانت له توجيهات إلى الجماعات الإسلامية في الخارج، هل تذكرون ذلك؟

نعم كانت له توجهات وكانت له علاقات وكان يدعو لدراسة أفكار الحركات الإسلامية في الخارج وهو كان يدرسها بدقة ويبدي رأيه العميق في الخطوط العريضة لها، هذا في حد علمي

(س: هل لكم علم في ذلك؟)

ليست لي نصوص ولكني أعلم كما قلت من خلال النقول في الأمر أنه كان يقوم بذلك.

سماحة الشيخ، هل يمكنكم أن تصفوا لنا المميزات الشخصية للسيد الشهيد الصدر، أي الصفات الشخصية التي كان يختص بها شهيدنا الصدر؟

ربما تقصدون الخصائص التي يتميز بها، وتتميز بها شخصيته، هذه الخصائص يمكننا باختصار جداً أن نضعها في أمور:

الأمر الأول: ما أشرت إليه في مقدمة الحديث عن عنصر التنظير، فقد كان الشهيد الصدر رجل أطروحات ورجل نظريات ترتبط بالواقع القائم بالواقع العملي القائم، عندما أقول ترتبط أذكر بأنه حتى عندما طرح الفلسفة كنظرية ضخمة تتناول الكون والحياة ورد إليها من خلال مقدمة اجتماعية، على أي حال الشهيد الصدر كان يتمتع بهذا الجانب وهذا الجانب حديثه طويل جداً فكل شيء تناوله الشهيد الصدر من زاويته العامة، عندما أراد أن يدرس ظاهرة المهدي سلام الله عليه، اخذ عبارة من حياته وهي أنه تسلم الإمامة وعمره (5 سنوات) راح يحلل هذه الظاهرة ليجد أن هناك الإمام العسكري أيضاً كان شاباً، الإمام الهادي كان شاباً، الإمام الجواد كان شاباً، بتكرر هذه الحادثة شكلت ظاهرة، وهذه الظاهرة راح يحللها، ماذا تدل؟ ما هي مدلولاتها؟ وما هي خلفياتها؟ وصل بعد هذا إلى أن هذه الظاهرة تكشف لنا عن اتصال أهل البيت بالعلم وبالمنبع الإلهي، على اعتبار أن الإمام يدعي أنه أعلم الناس ويدعي أنه أطهر الناس وعمره (5سنوات) أو عشر سنوات وهو يرأس فرقة إسلامية تضم أعظم العلماء وأكبرهم وهؤلاء لهم مقاييس في تشخيص الإمام وهؤلاء يتصلون بالإمام، والإمام ليس منعزلاً عنهم جالساً في ناحية، فإمام شاب صغير يرأس فرقة من العلماء العظام لهم مقاييسهم في تشخيص الإمام وهو بينهم ويدعي أنع أعلم الناس وأفضلهم والكل يذعنون له حتى السلطة تجد أنها لا تستطيع أن تحاربه علمياً فتلجأ إلى سجنه والمضايقة عليه، لا يعني هذا إلا أن ظاهرة علمية تاريخية على أن أهل البيت كانوا متصلين بالوحي الإلهي، وبالعلم الإلهي هذا شيء، طبعاً أقصد من الوحي كونهم متصلين بمنبع الوحي الإلهي، هذه شخصية التنظير إذاً. الميزة الثانية: الأصالة، أنه كان يعتمد على أصالة الفكر الإسلامي دون أن يخلط معه أي فكر؛ لأنه تأمل وتعمق في أن الإسلام هو من عين الحقيقة الصافية، هذه الأصالة تلحظها في كل مكان فهو لا يميل شرقاً ولا يميل غرباً ولا يميل هنا ولا هناك وإنما يتبع النص الإسلامي وما قاله الرسول (ص). الميزة الثالث: العمق، كان الشهيد الصدر من العمق في المكانة القصوى، خذ إليك بحوثه الفقهية في (الكر) مثلاً أو خذ إليك نظرياته العميقة في (الأسس المنطقية للاستقراء) وخذ كل بحوثه تجد أن من العمق بمكان يطرح النظرية ويؤيدها بكل قوة ثم يعمل على تهديم كل أسسها إن كانت منحرفة.

من الأبعاد التي تتميز بها شخصيته الضخمة البعد المعنوي الأخلاقي، فقد كان في القمة من هذا الجانب واستطيع أن أقول أني لم ألحظ عليه منذ أن اتصلت به حتى العام الذي فارقته ولم يلحظ عليه أي أخ من إخواننا مخالفة لحكم ترجيحي إسلامي، فضلاً والعياذ بالله من أن يخالف حكماً إسلامياً، كان يتخلق بالأخلاق الإسلامية العالية ويعيش روحاً (أهل بيتية)([1]) رائعة جداً وهذه خصيصة من خصائصه رحمة الله عليه.

الشيء الآخر الروح الاجتماعية التي قلتها أيضاً أشرت إليها الشهيد الصدر كان تعامل مع مجتمعه، كان يعيش آلام مجتمعه، كان يعيش كل ما يمر به المجتمع الإسلامي من آلام ويفكر في حل هذه المشكلات غاية التفكير. نقطة أخرى في شخصيته. ومن خصائصه الموسوعية كان الشهيد الصدر يكتب في كل شيء تقريباً، في كل شيء يرتبط به فقد كتب في الاقتصاد وكتب في النفس وكتب في التربية وكتب في الفقه وفي أصول الفقه وفي العقائد وكتب في التخطيط للحوزة وكتب في التاريخ وكتب وكتب، وكان مبدعاً في كل ما كتب، هذه الموسوعية صفة يقل وجودها في الأشخاص، فالموسوعية والعمق والتنظير والأصالة والمناقبية هي من أعظم أبعاد الشخصية الإسلامية، وقد تحلى بها المرحوم الشهيد الصدر.

س: سماحة الشيخ، لسيد الصدر أخلاقيات عالية كما تعرفون وهذا ما كان ملموساً من صفته الشخصية، ماذا تذكرون من هذه الأخلاق العالية؟

والله أنا أشرت إلى ذلك ويكفي أني قلت بأنني أنا لم أسمع ولم أر أي أخ من إخواني ينقل أنه خالف حكماً ترجيحياً إسلامياً، كان مؤدباً تمام الأدب مع أساتذته، مؤدباً تمام الأدب مع إخوانه يذكرهم بكل احترام وتجليل، مؤدباً تمام الأدب مع تلاميذه وأبنائه يعشقهم ويعشقونه، يهبهم من روحه العالية، ماذا أقول، ماذا أنقل عن المرحوم الشهيد، ويكفي أن تعلموا أنه وهو في عز مرجعيته عندما التقى أحد أساتذته وقع على يد أستاذه ليقبلها أمام الجميع احتراماً وإكباراً لشخصية الأستاذ وهو في عز مرجعيته.

س: هل لكم شواهد وعينات أخرى؟

هذه العينة، ولا أضيف عليها باعتبارها تكشف عن عز التواضع.

س: سماحة الشيخ، هل كانت عندكم مشاريع كلفكم الشهيد الصدر بها شخصياً؟

الشهيد الصدر كان أباً للأمة وكان يراقب كل حاجاتها ويحاول مهما أوتي من قدرة ومن إمكان أن يرفع ويسد هذه الحاجات، اذكر أنه رأى أن الشباب المؤمن المسلم بحاجة إلى تفسير (جيبي) يلحظ جانب الشمول والوضوح وفي الوقت نفسه شيئاً من العمق ويعطي نظرات أهل البيت سلام الله عليهم، فأرسلني إلى قم وأمرني أنا واحد إخواني الشيخ النعماني بأن نقوم بكتابة هذا التفسير كمشروع تقوم المرجعية الصالحة بطبعه في المستقبل وقد عملنا فيه إلى مدى جيد واطلع على بعض كتاباته وفرح بها فرحاً كبيراً وكتب إلينا يشجعنا ويحثنا على المواصلة وأننا لنأسف أن هذا المشروع لم يستمر؛ ولكننا بدأنا بنشر بعض حلقاته في التوحيد، نسأل الله تعالى أن يوفقنا معاً لإتمام ما أراده منا الشهيد.

س: التوحيد تقصدون منه المجلة؟

مجلة التوحيد نعم، هناك مشاريع أخرى لإحياء بعض المناطق التبليغية في مناطق شرق السعودية، لقد كتب وأمرني بأن اذهب إلى هناك في فترتين تبليغيتين طويلتين نسبية كما أمرني مرة بالذهاب إلى لندن لكي أقوم بمهمة التبليغ هناك على المدى الطويل.

س: وهل هناك مشاريع أخرى فكرية، علمية وأشياء أخرى؟

 مشاريع أخرى نعم، كان الشهيد يطلبها، منها مثلاً الطلب بالتوجه بكتابات اجتماعية ورحنا نسأله بعد ذلك عندما طلب منا ذلك هل لديه ما خططه لكتاب (مجتمعنا) فكان في عز مشاكله مع البعثيين ولم يستطع أن يعطي الجواب الواضح على ذلك.

س: سماحة الشيخ، ما هو رأي السيد الشهيد الصدر في شريعتي مجاهدي خلق؟

بالنسبة إلى مجاهدي خلق الذي أعلمه مما كتب هو كان يراهم أناساً تأثروا بالفكر الماركسي أيما تأثر ونفس هذه الفكرة تقريباً كان يراها في المرحوم شريعتي، كان يراه متأثراً بالفكر الغربي والفكر الماركسي معاً، إذ كان (مجاهدي خلق) متأثرين أكثر بالفكر الماركسي، فالمرحوم شريعتي كان متأثراً بالفكر الماركسي والفكر الغربي معاً، ثقافته غربية وهناك ضعف في ثقافته الإسلامية، فجاء فكره مزيجاً وخليطاً بين الفكر الإسلامي وغير الإسلامي، هذه خلاصة نظرة المرحوم.

هل لديكم نصوص حول ذلك، أم سماع؟

لا، لقد بيّن رأيه في رسائله التي كان يكتبها.

لكم الرسائل أو لغيركم؟

لا، لآخرين من الإخوان.

سماحة الشيخ، ما هو الصدى العالمي لفكر الشهيد الصدر؟

الواقع هذا الموضوع واسع الأبعاد، أنا لمست بنفسي شيئاً من أبعاده يكفي أن تعلموا أن كثيراً من الكتاب الإسلاميين العالميين أجلّوا هذا الشهيد العظيم وأعطوه مكانة لائقة في الفكر الإسلامي، خذ مثلاً ما قاله محمد المبارك في كتابه (الإسلام والاقتصاد) تراه معجباً أشد الإعجاب به لا في موضوع أو موضوعين أو ثلاثة، خذ ما يكتبه زكي نجيب محمود وما كتبه أكرم زعيتر، وما كتبه غيرهم، هذا جانب نستطيع أن نكتشف به الصدى العالمي لفكر الشهيد الصدر.

الشيء الآخر، أننا نلمح أفكار الشهيد الصدر سرت في كل الكتابات التي جاءت بعده، خذ مثلاً ما كتبه محمد شوقي الغنجري في هذا المعنى، خذ مثلاً ما يطرحه سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ الرفسنجاني اليوم من أفكار، خذ مثلاً ما جاء في كل كتاب اقتصادي إسلامي بعد اقتصادنا تجد أن روح الشهيد الصدر تنتشر فيه، سواء أكان الكاتب شيعياً أو سنياً، إذاً من كواشف هذا الصدى العالمي انتشار روح الشهيد الصدر في المؤلفات التي تلت مؤلفاته القيمة.

من الجوانب الأخرى أنه في كل مكان طرح الشهيد الصدر تقبله العقول بكل قوة، أنا أذكر عندما طرحنا فكرة الشهيد الصدر في مؤتمر الجزائر أو في مؤتمر ماليزيا الضخم أو في سريلانكا كان الجميع يتقبلونه تقبلاً حسناً ويجلّونه ذلك الإجلال الكبير، ويعترفون بعظمته وبروعة ما كتب.

من الجوانب الأخرى التي تكشف عن ذلك أن اقتصادنا كان يدرس حتى في مكة المكرمة رغم هرب الوهابيين من أسماء الإمام الصادق والباقر كانوا مجبورين أن يدرسوه في مناطق أخرى أيضاً.

كتاب اقتصادنا وكتاب فلسفتنا في إيران اليوم صار محوراً للتدريس في كثير من الأماكن، بل صار أساساً لنظريات اقتصادية تطبيقية عملية طرحت، سواء في المجال البنكي أو المجالات الأخرى، فإذاً الاهتمام الذي لاقته كتبه في الجامعات العلمية يكشف عن صدى عالمي وتأثر كبير بهذا الفكر.

ولكني أعتقد أن العالم الإسلامي لم يكتشف هذا الشهيد، ولم يدرك عظمته، وإن ساهم في عدم الاكتشاف أولاً عدم قدرة أبناء الشهيد مثلاً على إيصال هذا الصوت في كل مكان، وثانياً الموانع التي يبثها الاستعمار وأعداء هذا الفكر الأصيل من المعسكرين الغربي والشرقي، وساعدهم في ذلك عمالة الحكومات الرجعية كالسعودية وأمثالها، إضافة إلى العصب الطائفي المقيت الذي يمنع أبناء هذه الطائفة من أن تقرأ كتب الطائفة الأخرى، وهذه حالة مؤلمة جداً لأي إنسان يلحظها.

على أي حال الشهيد الصدر كان يملك ذلك الصدر العالمي الكبير، أذكر أنني التقيت في مؤتمر الجزائر أساتذة كثيرون كانوا يقولون نحن تلاميذ أفكار الشهيد الصدر.

(هناك عدة أسئلة أخرى نؤجّلها إن شاء الله إلى وقت أخر، نشكر سماحة الشيخ على لقائه).

([1]) مصدر صناعي من (أهل البيت) يريد أن يقول إنّ سيرته كسيرة أهل البيت عليهم السلام..