مقابلة صحفية مع سماحة السيد حسين الصدر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. يسرّ وحدة الإعلام في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق أن تلتقي سماحة حجة الإسلام السيد حسين الصدر وتطرح جملة من الأسئلة عليه بمناسبة أسبوع الشهيد الصدر، نرجو من سماحته التفضّل بالإجابة عنها مشكوراً… أهلاً بسماحة السيد.

س: إذا سمحتم سماحة السيد، السؤال الأول: ما هو في نظركم تأثير المرجع الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه في مسيرة الحركة الإسلامية في العراق والعالم الإسلامي؟

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قائد البشرية الصالحة محمد وعلى الهداة الميامين من آله الطاهرين.

أود في بداية اللقاء أن أشكر العاملين في وحدة الإعلام للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق على إتاحتهم لنا هذه الفرصة لنتحدث وفي أسبوع المرجع الشهيد الخالد السيد الصدر قدس سره عن بعض ما تثيره هذه الذكرى من شجون ومن قضايا، وبالنسبة إلى السؤال الأول نستطيع أن نقول بأن مسار وطروحات السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسه الزكية تُعتبر حداً فاصلاً بين مرحلتين في تاريخ الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية المعاصرة، فالحركة الإسلامية في العراق خاصة وفي العالم الإسلامي عامة مدينة وإلى حد كبير لأعمال السيد الشهيد الصدر الفكرية وطروحاته السياسية، كان النهج التقليدي السائد يُعنى بالطرح الفردي بمعنى أنه يحرص على إنشاء عناصر متدينة ينتصر الإسلام في سلوكها الخاص وتُؤخذ هذه الأبعاد مفصولة عن المسار العام للرسالة وللتحرك الإسلامي.

أما منهج السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسه فتتجلى فيه خصيصة الطروحات التي تحرص على أن ينتصر الإسلام في مجالات السلوك الخاص، ويواصل الجهاد المرير من أجل انتصاراته في سائر الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكل جوانب الحياة، لا أن تُؤخذ مسألة التدين مفصولة عن مسار الحركة الإسلامية وطموحات الرسالة، وفي تقديري تُعتبر هذه الخصيصة من أبرز الخصائص في مسارات السيد الشهيد الصدر الفكرية والسياسية، فقد استطاع مرجعنا الشهيد الخالد آية الله العظمى السيد الشهيد الصدر أن يُثري الحركة الإسلامية في العراق خاصة وفي العالم الإسلامي عامة بمنهجه الفريد وطروحاته البِكْر فيما يتعلق بإبراز الإسلام نظاماً وعقيدة للحياة يجب أن تغطّي كل الميادين والجوانب، وقد أشرت في بداية الحديث إلى أنه يمكن أن يُعتبر حداً فاصلاً بين مرحلتين، مرحلة الطروحات الباهتة التي لا تثير في المجتمع المسلم وفي نفوس الجيل الطليعي من الأمّة، تلك الفاعلية وتلك الحرارة التي تحرّكها لأن تحمل إسلامها وعقيدتها مِشعلاً تكافح وتناضل وتجاهد من أجل إقامة كيان واقعي في مجالات الحياة.

س: الحقيقة سيدنا هناك سؤال آخر يكاد يكون امتداداً للسؤال الأول, السؤال: هل وُفّق المرجع الشهيد الصدر في نظركم لبلورة خط فكري له طابعه المميز بين المدارس الإسلامية المعاصرة؟

السيد الشهيد الصدر قدس سره كان قمة رسالية شامخة في ميادين الفكر والعقيدة والجهاد والعمل الدائم الحثيث من أجل سيادة الإسلام، والصحوة الإسلامية المعاصرة يمكن اعتبارها أثراً من آثار جهاده الطويل وجهوده المكثفة في هذا المضمار، ولا ينبغي أن نقول إنه وفق في هذا الباب، بل هو الرائد المُلهَم الفذّ الذي موّن المسيرة الإسلامية بالفكر الإسلامي الناصع والروح الجهادية الجبارة، ووضعها على المسار الصحيح في المواجهة الحادة للكيان الصليبي الصهيوني الجاثم بكابوسه على الرقاب في ربوع العراق المسلم الجريح.

س: سماحة السيد ما هو عمق تأثير المرجع الشهيد في مسيرة الحوزات العلمية في النجف الأشرف وغيرها؟

لا يمكن أن نغفل الدور الرائد الكبير لمرجعنا الشهيد الخالد آية الله العظمى السيد الشهيد الصدر في مضمار إذكاء الروح الثورية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف, لقد مر بنا قبل قليل أنه لم يكن يريد أن يفصل الجانب السلوكي الخاص عن مسارات الرسالة العامة، واستطاع قدس الله نفسه الزكية أن يبعث الفكر الإسلامي والتيار الإسلامي ظاهرة متميزة أصيلة في أوساط الحوزات العلمية المعاصرة، وتجد هذه الخصيصة واضحة بارزة في أعماله ومن ربّاهم من العلماء الأعلام من خاصته وتلاميذه الذين انطلقوا ينشرون مفاهيم وأفكار مدرسته العتيدة ويعبّئون الجماهير المؤمنة في العراق بتلك المفاهيم وتلك الطروحات وتلك الروح الجهادية الجبارة، ولقد جدّد في مناهج البحث العلمي والتدريسات في الحوزة العلمية، ويكفي هنا أن نشير إلى أنه صاحب منهج جديد في الأصول وهناك كتاب دراسي تركه للحوزات العلمية اسمه «دروس في علم الأصول» يقع في ثلاثة أجزاء وهناك نظرياته الفقهية الخاصة وهناك منطقه الجديد الذي أوضحه الكتاب النفيس «الأسس المنطقية للاستقراء»

س: المعلوم أن لسماحتكم صلة خاصة مميزة مع المرجع الشهيد، فما هي ذكرياتكم عنه قدس سره؟

يعتصر الألم قلبي حين أريد أن أحدّثكم عن تلك الذكريات, فلقد وجدت في السيد الشهيد كل النشاطات والإبداعات التي جسّدها خط الأنبياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، ما جلست إليه مرة ولا طرحت عليه موضوعاً إلا وزدت إيماناً بما كان يحمل هذا المرجع الكبير في نفسه من حرارة وعمق في مضامير الدفاع عن الرسالة الإسلامية والتخطيط لانتصار الإسلام في كل مجالات الحياة، وحمل هموم المستضعفين وآلامهم ومشاركتهم في الآمال والآلام، وأريد أن أذكر لكم هذه الصورة التي ترتبط بالجانب الأخلاقي والبعد الأخلاقي في شخصيته الخالدة.

صدرت إحدى طبعات كتابه «اقتصادنا» وقد غلف بغلاف خارجي يحمل صورته ونبذة عن حياته فأمرني أن أذهب إلى قاسم الرجب موزع هذا الكتاب للاتفاق معه على نزع هذا الغلاف الخارجي من هذه الكتب قبل أن يطرحها للناس، وقبل أن يبيعها للناس كان يريد أن يكون عمله خالصاً لوجه الله، بعيداً عن كل ما من شأنه أن يتّسم بطابع الظهور أو الترويج الذاتي أو ما إلى ذلك، وبالفعل ذهبت إلى قاسم الرجب واتفقت معه على ذلك, وهنا لا بد أن نشير بأنه كان يطبع كُتبه مُجرَّدة عن الألقاب، وهو مرجع وقمة رسالية شامخة، ومدرسة متميزة العطاء في جميع جوانب الفكر والتشريع والعقيدة والجهاد؛ ولكن بالرغم من كل ذلك كان يوسع ذاته إنكاراً، كان لا يحمل كتابه إلا اسمه المجرد.. عن كل لقب والمجرد عن كل (الفخفخات) التي تعارف عليها الناس.

س: هل صحيح ما قيل من أنَ سماحة السيد الشهيد الصدر قدس سره رفض عند تأليفه لكتاب اقتصادنا كتابة الاسم عليه؟

كان في البداية يُفكّر بأن يطبع كتاب «فلسفتنا» وربما كتاب «اقتصادنا» أيضاً باسم آخر.. أن يطبع هذين الكتابين الجليلين اللذين يعتبران فتحاً علمياً وفكرياً كبيراً, كان يُفكّر بأن يطبع هذين الكتابين باسم آخر.

س: سماحة السيد بماذا تنصحون شعبنا المجاهد في العراق ونحن نعيش هذه المناسبة الجليلة؟

لا شك في أن شعبنا العزيز في العراق يعاني مرارة الاستبعاد والإذلال والتعذيب والمطاردة والقمع والإرهاب، تلك الخصائص البارزة للنظام العميل الحاكم في بغداد؛ ولكن شعبنا العزيز في العراق يجب أن يضع السيد الشهيد الصدر نصب عينيه قدوة يتأسّى  بنهجه ويترسم خطاه, لقد آثر السيد الشهيد الصدر أن يريق آخر قطرة من دمه في سبيل الله من أجل إنقاذ شعبه في العراق وحان الآن وقت الوفاء لهذا القائد العظيم، وهذا المرجع الفذ وتلك التضحيات الجبارة الجسام، إن شعبنا مدعو إلى أن ينتهج هذا المسار وهذا الخط طريقاً له في مقاومته ومواجهته الحادة للنظام الصليبي الصهيوني الحاكم في العراق، ومسالة أخرى أود أن أؤكدها أن شعبنا مدعو للتلاحم بخط ولاية الفقيه المتمثل بإمام الأمة القائد المفدى السيد الخميني العظيم؛ فإن خط ولاية الفقيه هو خط الصمود بوجه الأعاصير، خط التصدي للطواغيت وعملاء الاستكبار العالمي والامبريالية العالمية، والقيادة الحكيمة لإمام الأمّة القائد الخميني دام ظله الشريف هي كنز كبير من كنوز هذه الأمّة في خضم صراعها المرير مع رموز الكفر والاستكبار العالمي.. إن شعبنا مدعو للتلاحم مع هذا الخط الإسلامي الأصيل ومع هذا القائد العظيم المُسدد، وأن فجر الخلاص قريب إن شاء الله ونحن جميعاً نستظل بظل قيادة وتوجيهات إمامنا القائد المفدى السيد الخميني العظيم وأنها لثورة حتى النصر.

إن شاء الله .. في الختام نتقدم بالشكر الجزيل لسماحة حجة الإسلام المسلمين السيد حسين الصدر راجياً له التوفيق والتأييد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.