مقابلة مع الشيخ محمد إبراهيم الأنصاري

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

نلتقي مع سماحة الشيخ محمد إبراهيم الأنصاري أحد تلاميذ السيد الصدر وممن حضر أبحاثه فترة غير قصيرة في دوراته الأصولية والفقهية الأُولى.. نحن في داره في اليوم الثامن والعشرين من شوال لعام 1405 هـ.ق.

س: سماحة الشيخ كيف كانت بدايات معرفتكم بالشهيد الصدر، أي بداية التعرف عليه؟

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.. كانت بداية ارتباطنا بالسيد الشهيد الصدر قدس سره في سنة 1338 هـ. ش حيث إنّ أحد الطلاب من أصدقائنا نقل عن السيد الصدر مباحث فلسفية رائعة وجيدة في مقبرة أخي السيد الحكيم قدس سره في الصحن العلوي الشريف، وذهبنا إلى بحث السيد ورأينا أن البحث في مستوى راق، وهذا ما صار سبباً لارتباطنا علمياً بالسيد الشهيد، وبعد سنتين حيث كان السيد الشهيد يباحث في المسائل الفلسفية، ونحن بعد وفاة السيد البروجردي وبعد سفرنا ومهاجرتنا من إيران، ذهبنا إلى العراق إلى السيد الصدر، فصار تدريس الأسفار الأربعة للشيخ صدر الدين الشيرازي خصوصياً في بيته.

س: من الجزء الأول؟

نعم، من الجزء الأول من الأسفار، وبعد مدّة أنا ذهبت إلى بحث الخارج في الأُصول للسيد الصدر، وكان في سنة 1340 هـ.ش وبعد الذهاب مدة، إلى بحث الأُصول في شهر رمضان من تلك السنة، شرع السيد الشهيد في بحث إحياء الموات من الفقه في مقبرة السيد شرف الدين، وكنا نحضر في بحث إحياء الموات من الفقه، وبعدئذ صار الذهاب إلى بحث الأصول الذي دام لمدة سبع سنوات تقريباً، وبعض المباحث أيضاً في كتاب الخمس في شهر رمضان وكان الاتصال والارتباط موجوداً تقريباً إلى أن انتقلنا إلى قم – بعد عملية التسفير الأولى التي نفذها البعثيون – من العراق.

س: سماحة الشيخ هناك قضية وهذه القضية حديثة أو جديدة وهي قضية تدريس السيد الصدر للأسفار الأربعة هل هو درس خصوصي لكم وحدكم؟

نعم، درس خصوصي.

 س: كم استمر الدرس؟

استمر عدة أشهر.

 س: في الجزء الأول من الأسفار؟

نعم، وكان السيد قديراً.

س: لماذا لم يستمر هذا الدرس؟

لقد بدأت مباحث في الأصول، وهي أعمق، وما سمحت الفرصة بعد ذلك.

س: أغيركم لم يُدرّسه السيد؟

لا.

س: في قضية حضوركم إلى أبحاث الأصول، هل كان مستمراً عند السيد، هل كان استمراراً في أبحاث الفقه؟

في الفقه ما كان السيد مستمراً حتى شرع في كتاب الطهارة من العروة، وباعتبار أني قرأت كتاب الطهارة عند السيد الخوئي ولهذا ما حضرت درس السيد.

س: حضرتم بحْث الخمس واحياء الموات فقط؟

نعم.

س: سماحة الشيخ.. ماذا تعرفون عن وضع السيد الشهيد محمد باقر الصدر آنذاك، طبعاً أنتم عاشرتموه في الستينات الميلادية وكانت بداية بروز السيد آنذاك فكيف كان وضْعه العائلي، وضْعه مع الأصدقاء، وضْعه في تدريسه، مع تلاميذه، مع أجواء النجف العامة؟

كلّه كان جيداً، خصوصاً بالنسبة إلى التلامي،ذ كان السيد الشهيد يتعامل معهم معاملة الأب الرؤوف البار لأبنائه، ومعاملة صديق لصديقه، والشاهد على ذلك (المكاتيب) التي أرسلها إلينا إلى إيران بعد إرسالنا كتباً ورسائل للسيد وأجابنا عنها جواب عطف وحنان ومحبة مع اللطف الكثير، وبالنسبة للوضع العائلي أيضاً والأوضاع الاجتماعية للسيد أيضاً كانت جيدة جداً، كان مع الفضلاء والطلبة أيضاً جيد جداً، وأيضاً مع الأساتذة والعلماء والمراجع كان ارتباطه وعلاقته جيدة.

س: هل تذكرون بعض الطرائف في تلك الفترة وماذا كان يحدث من تلك الأمور؟

هناك طريفة رأيتها بالنسبة لي أو سمعتها من السيد الشهيد حيث قال: هناك شخص ذهب إلى بيت السيد الخوئي وقال بمحضره: السيد الصدر أسس حزباً في العراق ـ باعتبار أن هذا يصير سبباً لاشمئزاز السيد الخوئي وانزجاره مثلاً ـ ولكن السيد الخوئي أجاب جواباً بأنه لو أسس السيد الصدر حزباً أنا أول من يكتب اسمه في هذا الحزب.

س: أي يصبح عضواً؟

نعم.. هذا الذي نقله السيد.

وأيضاً طريفة أخرى، نقل بأن شخصاً من أهل العلم من الكاظمية جاء وذهب إلى بيت السيد الحكيم وقال: السيد محمد باقر الصدر أسس حزباً، وهو حزب كذا.. ـ باعتبار أنه يصير زعلاناً مني ـ لكن السيد الحكيم تعامل معه معاملة حتى أنه خاف وذهب إلى بيت أخي السيد إسماعيل الصدر واعتذر بأني ما كنت مثلاً أقصد شيئاً واعتذر.

س: تعني أن السيد الحكيم ردّه؟

نعم، ردّه بنحو خاف من هذا الرد.

س: ما دمنا شيخنا في هذه الأجواء فلا بأس أن نعرف كيف كان كبار الأساتذة وكبار رجال النجف يعاملون السيد الصدر آنذاك لأن الوضع السياسي كان حرجاً والاتهامات على قدم وساق؟

الأجواء السياسية ما كانت جيدة لأنّ التشكيلات والتنظيمات في الحوزات العلمية ما كان لها سابقة، وكانوا يخافون من هذا النوع من الأعمال، ولهذا الأمر ولأنّ السيد كان نابغة وكان فوق الأجواء، والجو الحاكم للحوزات، كان بعض الناس طبعاً يفعلون كذا، وكان يعملون بعض الأعمال المؤذية بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى السيد الصدر أيضاً.

س: عند حضوركم لوى السيد الصدر.. هل تذكرون بعض الطرائف في أثناء الدرس، وبعد الدرس مثلاً؟

هناك من الطرائف؛ ولكن الآن ليست ببالي.

س: شيخنا.. كيف كان الشهيد الصدر ينظر إلى الوضع السياسي في إيران حيث إنّ الشاه كان على رأس السلطة، وكيف كان ينظر إلى وضع العراق مع تغيّر الحكومات، هل كان يتكلم عن هذه المواضيع معكم؟

نعم، السيد الصدر جاء مرة إلى بيتنا وقال بأنه لا يمكن للافعال بلا تكتل وبلا تنظيم أن يعمل أعمالاً مؤثرة ونافعة، لا بد من التنظيم والتكتل، وتنويهاً كان يدعونا إلى المشاركة في التكتل والتنظيم؛ لكن بما أن الجو الحوزوي ما كان يساعد في ذلك الزمن، قبل أن يعلم الناس بأنه هناك مثلاً حزب إسلامي في العراق، جاء السيد الصدر مرة إلى بيت الحاج عبد الحسين الشبستري في شارع الصادق في النجف الأشرف وهو مجاور معرض الهدايا القريب من حسينية البراق وقال بأنه يجب التكتل والتنظيم والتعاون وبهذا تصير الأعمال نافعة وجيدة؛ لكن الجو لم يكن مساعداً على هذا، ولكني أجنبي بالنسبة إلى العراق، ومن خوف التسفير أو التشريد ما ساعدت أنا على هذه القضية

س: تقصدون أن السيد كان عنده بعض الطروحات السياسية وكنتم تعرفون ذلك؟

نعم.. كتب المدرسة الإسلامية، وكنت طبعاً أدري بأنه هناك حزب إسلامي في العراق، جاء السيد نوري الأشكوري مرّة إليَّ في نفس درب معرض الهدايا وحسينية البراق، وقال بأن السيد الصدر مرتبط ببعض الأحزاب العراقية الإسلامية، وهذا سبب للخوف بالنسبة لنا، أنا قلت إن السيد باعتباره مفكراً وعنده نبوغ، فالأحزاب الإسلامية يريدون أن يستفيدوا منه طبعاً ويأخذونه لهم ومن اللازم على تلاميذ السيد يعملون أعمالاً تمنع أن يكون السيد في أيديهم بل يصير للتلاميذ والتلاميذ يعملون الأعمال مع السيد الشهيد.

وفي النجف حدث تحرّك بالنسبة إلى دعم الثورة في إيران.

س: متى كانت هذه في أي سنة؟

كان ذلك في سنة (1342هـ ش) وكثير من العلماء قرابة (30) نفراً كانوا يجتمعون ويتخذون بعض القرارات ويذهبون إلى بيوت المراجع ويدعون المراجع.

 س: حوادث شهر مرداد (من السنة الشمسية)؟

نعم، من أجل دعم إيران، وأذكر أنه كان في مجلس السيد الصدر خاله الشيخ مرتضى آل ياسين موجوداً، في تلك اللجنة ومن أعضاء ذلك المجلس، السيد الشهيد أيضاً شارك في ذلك المجلس ودعوا المراجع إلى دعم الثورة الإيرانية.

س: عند مجيء الإمام الخميني حفظه الله إلى النجف الأشرف ماذا كان موقف السيد الصدر؟

ذهب السيد الصدر إلى بيت السيد الخميني لزيارته، والسيد الخميني أيضاً ذهب إلى بيت الصدر، طبعاً رداً للزيارة أي زار السيد، والسيد الصدر نقل لي بأنه سألت من السيد الخميني بأنه كيف كان الوضع في إيران؟ وماذا عملتم؟ وهم ماذا يعملون؟ فقال السيد الخميني بأنهم شياطين يعني الحكام في إيران ـ كان هكذا تعبيره ـ، ونقل لي بأن السيد مصطفى الخميني جاء إلى بيت السيد الخوئي ورآني في بيت السيد الخوئي وقال: السيد الصدر ما رأيناه.. قلت: جاء السيد الصدر إلى زيارتكم كيف لم تروه يجب أن تعرفوه، قال أنا ما عرفت ولكن سمعت ولكن السيد مصطفى قال: أني قلت للسيد الخميني أن السيد الصدر جاء إلى زيارتكم فالسيد الخميني والحاشية ذهبوا إلى بيت السيد الصدر كانت العلاقات بينهما موجودة موجودة.

وفي مرة مَرِضَ السيد الخميني فرأيت أن السيد الصدر جاء إلى بيت السيد الخميني لزيارته وكنت موجوداً في بيت السيد الخميني عندما جاء السيد الصدر.

س: هل تذكرون أموراً أخرى في حياة السيد والوضع العام في حياته؟

حياة السيد الصدر كانت مملوءة كلها بالفضائل والمناقب والسيد الصدر مرة كان حكماً بالنسبة إلى الكتب التي كُتبت في شأن الإمام أمير المؤمنين.. فالسيد نقل لي بأن المسيحي اللبناني سليمان كتاني صاحب كتاب (الإمام علي نبراس ومتراس) قال لي بأنه كتب كتاباً جيداً، مع أنه كان ثلاثمئة صفحة أنا لما شرعت في المطالعة ما تركته حتى طالعته بأكمله فهو جيد جداً وحكم السيد الصدر بذلك، أنه رئيس لجنة التحكيم على الكتب.

س: رئيس اللجنة المشرفة على هذه المسابقة؟

نعم، قال مع أنه كُتب اثنا عشر كتاباً في شأن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب إلا أن السيد قال بأن هذا المسيحي اللبناني كتب في شأن الإمام أمير المؤمنين (ع) أحسن كتاب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.