لبيكَ ما تعبتْ بالشدوِ أوتارُ |
|
ما زالَ صوتُكَ تضرى فوقَهُ النارُ |
وما برحتُ أغنِّيها محبَّبَةً |
|
إليَّ يبعثُها دِفْءٌ وقيثارُ |
ولا تزالُ بقايا الكأسِ تُلهِمُني |
|
وحياً فتصحو تراتيل واذكارُ |
يعيدُ صوتُكَ اصداءً تجمّلُها |
|
في هدأةِ الليلِ أكوابٌ وسُمّارُ |
وهَبْتَها مِن لظى عينيكَ بارقةً |
|
فصفّقتْ بكؤوسِ النارِ أقمارُ |
دعتْكَ تمنُحها دفئاً وقافيةً |
|
لتُنزلَ الوحيَ أطيافٌ وأشعارُ |
ياواهبَ الأكؤسِ الحمراءِ لذتَها |
|
أنِلْ نداماكَ ما تُصفي وتختارُ |
|
*** |
|
إني لمستُ على نخلِ الفراتِ ندىً |
|
مِن فيضِ كفَّيْكَ لاحتْ فيهِ آثارُ |
وفي وجوهِ الصبايا لا تزالُ رؤىً |
|
خضراءُ توعدُها بالغيث أخبارُ |
باتتْ مع الصبواتِ البيضِ ساهرةً |
|
لعلَّ وجهكَ معقوداً لهُ الغارُ |
يأتي معَ الفجرِ شمساً لايغيّبُها |
|
ليلٌ وإن أُسدلتْ للغيبِ أستارُ |
وفي الغريِّ تجلّتْ كلَّ ساكنة |
|
عصفاً تناجيهِ أضراسٌ وأظفارُ |
وفي الجنوبِ سمعتُ الصمتَ ملحمةً |
|
يحكي رؤى الرملةِ السمراءِ أيارُ |
مدّتْ لذكراكَ رغمَ القيدِ أذرعها |
|
ورغمَ مامنعتْ بالحقدِ أسوارُ |
في كلِّ ومضٍ أرى السحبَ ماطرةً |
|
تستافُ منها ليومِ الطهرِ أطهارُ |
وأنتَ مازلتَ تحدو عزَّ خطوتِها |
|
إلى المعالي ومنكَ الصوتُ زءَّارُ |
سمعتُ في تَمتَماتِ الجُرحِ منك صدىً |
|
يبوحُ في عمقهِ غيبٌ وأسرارُ |
إنَّ الدماءَ التي روّتْ مساربُها |
|
درباً تهاوى على جنبيهِ ثوّارُ |
لابُدَّ أن تغضبَ الدنيا لغضبتها |
|
وأن تَغذَّ عليهِ السيرَ أحرارُ |
فلا القيودُ ولا الأحجارُ تمنعها |
|
وكلُّ ماصاغتِ الأحجارُ أحجارُ |
فالخلدُ ليسَ لمن تُحنى رؤوسُهُم |
|
للريحِ إنْ دبَّ عصفٌ منهُ هدّارُ |
ولا لمن يطحن المنفى عزائمَهمْ |
|
ولا لمن إنْ رماهُ الضيمُ خوّارُ |
للباذلينَ بقايا الروحِ إنْ خفقتْ |
|
برايةِ الفتحِ آجالٌ وأقدارُ |
فالثأرُ يبعثُ حياً رمسَ صاحبهِ |
|
ولا حياةً إذا لم يُطلبِ الثارُ |
|
*** |
|
عينانِ لا زالتِ الدنيا يَغالبُها |
|
ذعرٌ إذا عادها مِنهنَّ تذكارُ |
عينٌ تصدُّ بها ما كانَ يقذفهُ |
|
زيفٌ لترعاهُ أيمانٌ وأيسارُ |
وعينُ جود يُفيض الحبُّ لفْتَتَها |
|
كأنما هي جنّاتٌ وأنهارُ |
رعيتَ فيها غِراساً شبَّ يافعُها |
|
في غمرة خاضَها عصفٌ وإعصارُ |
أطبقتَ جفنيكَ تحمي طلعَ زهرتها |
|
لتُجتنى في غدِ الآتينَ أثمارُ |
وحلَّقتْ منكَ روحٌ في معارِجها |
|
كيما تُلقِّنُ فنَّ الطيرِ أطيارُ |
ومُذ وهبتَ لها ماكنتَ تحسبُهُ |
|
زيتاً تُشَبُّ به نارٌ وأنوارُ |
راحتْ تحلِّقُ في دنياكَ واعدةً |
|
بأنّ أيامها للظلمِ إِنذارُ |
حتى إذا عركتها كفُّ نازلة |
|
وأومأ المجدُ أنَّ الدهرَ غدّارُ |
مرّتْ تصولُ وفي أرواحِها كِبَرٌ |
|
وفي شَباها دمٌ بالنصرِ فوّارُ |
ألقتْ أعنّتها في معرك لَجِب |
|
واِستمطرَ الجرحَ للفادين إيثارُ |
في آخرِ الدربِ صوتٌ منكَ يدفعها |
|
وفي مبادئهِ سبطٌ وكرّارُ |
|
*** |
|
أَعِزْ لياليَّ مِن نجميكَ بارقَةً |
|
فقد تمنّتْكَ عند الخطفِ أبصارُ |
وخلِّ موحشةً أرختْ كلاكِلها |
|
على رؤايَ بومضٍ منكَ تنهارُ |
عادتْ بذكراكَ أحزانٌ تؤرّقني |
|
وشبَّ بي جامحٌ للثأرِ نغّارُ |
يصيحُ بي إنْ تناءت عنكَ أشرعتي |
|
وغاب في اللُّججِ العمياءِ بحّارُ |
وميضُ عينيكَ أسيافٌ تلاحقني |
|
أنّى نأيتُ لها برقٌ وأمطارُ |
ورجعُ صوتِكَ إن صُمّتْ مسامعُها |
|
دنياً، يطوفُ عليها وهو موّارُ |
أغيبُ عنكَ وملءُ الروحِ منكَ ندىً |
|
ومنكَ أدنو وحبلُ الودِّ جرّارُ |
حتى أذوبَ بجرح كنتَ راعفَهُ |
|
حباً ويأخذني بالوجدِ تيارُ |
فتعتريني حنيناً هاجَ مُنتفضاً |
|
كما تقابلُ لفحَ النارِ أزهارُ |
وحولَ صوتكَ ألقى أمةً نفضتْ |
|
جراحَها زيتَ غيظ وعدُهُ نارُ |
تكلّلتْ من هوىً أطلقت حرقتَهُ |
|
كما يُزيِّنُ وجهَ الصخرِ نوّارُ |
دماكَ أصدقُ وعداً وهي صامتةٌ |
|
وقد يضيق ببطنِ الغمدِ بتّارُ |
وأنتَ إن لم تعد روحاً بأضلعنا |
|
فلا تملّتْكَ أرواحٌ وأعمارُ |
|
*** |
|
سألتَ أمسكَ عن أفق يطوف بهِ |
|
زحفٌ من النجمِ بالآمالِ سيّارُ |
دَنی مِنَ الشمسِ يحكي سَفَر غربتِهِ |
|
وكم تضيع بأفقِ النجمِ أسفارُ |
فغابَ لا الشمسُ آوتهُ ولا سكنتْ |
|
أفلاكُهُ حيثُ أن الفلكَ دوّارُ |
أينَ استقرَّ بهِ نوءٌ وأين مَضتْ |
|
بهِ المسافاتُ فالأوطانُ أوكارُ |
تفرّطتْ مثلُ حبِّ العِقدِ لمّتُهُ |
|
كما يفرّطُ حبَّ الدُّر إسوارُ |
ماذا يلمُّ شتات النجمِ في أفق |
|
سمح تُحلّ بهِ للقلبِ أزرارُ |
ومن يعيدُ لها حَباً وقد بذلتْ |
|
أرواحها حين حاقتْ فيهِ أخطارُ |
ومن يشدُّ جراحاً بعد ما بئستْ |
|
من كلِّ كفٍّ تحابيها وتمتارُ |
ما قيمةُ الأرضِ إن لم تؤوِ عاشقها؟ |
|
وقيمةُ الدارِ إن ضاقت بهِ الدارُ ؟ |