مقدمة
تصالح بعض المفسرين على كون مصطلح التفسير هو الكشف عن معاني ألفاظ القرآن، وعباراته، واعراب كلماته، والسير في الكشف من سورة الفاتحة الى سورة الناس، والاستشهاد بالشعر والحكم والامثال والتاريخ، وغير ذلك، حتى زخرت المكتبة الاسلامية بمختلف التفاسير باختلاف المناهج. ولكن القرآن الكريم جاء ليقدم للناس تفسيراً شاملا للكون والحياة، تفسيراً لطبيعة العلاقات بين حقيقة الالوهية وحقيقة العبودية، وتفسيراً لحقيقة مركز الانسان في هذا الوجود الكوني وغاية وجوده،
القرآن الكريم جاء لينشئ أمة ذات طابع خاص فريد تعيش في ظلاله وتقود البشرية الى الخير والصلاح.
والقرآن الكريم ـ كما يقول الشهيد سيد قطب ـ لا يدركه حق ادراكه من يعيش خالي البال من مكابدة الجهد والجهاد لاستئناف حياة اسلامية حقيقية، ومن معاناة هذا الأنر العسير الشاق وتضحياته وآلامه، ومعاناة المشاعر المختلفة التي تصاحب تلك المكابدة في عالم الواقع.. ان المسألة في ادراك مدلولات هذا القرآن وايحاءاته ليست في فهم ألفاظه وعباراته فقط، بل هي استعداد النفس برصيد من المشاعر والتجارب تشابه المشاعر والتجارب التي صاحبت نزوله وصاحبت حياة الجماعة المسلمة التي تتلقاه في خضم المعترك، معترك الجهاد بكل اشكاله، ولا يكفي لفهم وادراك مدلولات القرآن الكريم ان نحيل ذلك الى عصر الرسالة، بل لابد من معايشتها، اذ القرآن جاء اما لينشىء أمّة متحركة فاعلة او ليحكم تلك الامّة والعالم، اي ان تلك الامة تجسّد احكامه العامة على الناس وأي تخل عن ذينك الأمرين يدفع القرآن الى شكوى الهجر من قبل الامّة ومن قبل المسلمين بشكل عام.
وحينما نستقرىء الامام الصدر فيما تناوله من نصوص القرآن الكريم، نجد روح المكابدة والجهاد في سبيل استئناف الحياة الاسلامية على ضوء القرآن واضحة في منهجه، ونجد المشاعر والاحاسيس في مواجهة الجاهلية، والمرارة والألم بسبب المعاناة من واقع سيء يشابه ما كانت عليه الجماعة الاولى التي تلقت القرآن وهو يواكب حركتها..، الامام الصدر تحرك في واقع معين وراح يستهدي القرآن في حركته، وكلما واجهته مشكلة، رجع الى القرآن فاستنطقه فوجده هادياً مهدياً.
ان فهم الامام الصدر للقرآن فهم متميز متفرد، اذ انطلق في زخار امواج هائلة من التيارات الثقافية الوافدة الى ارض الاسلام وهي في حالة صراع مرير على حساب الامّة وكيانها الفكري والسياسي، فكان لابد للاسلام أن يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير، ولابد ان تكون الكلمة مستمدة من القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولابد ان تكون الكلمة شاملة للكون والحياة والانسان والمجتمع والدولة والنظام ليتاح للامّة ان تعلن كلمة الله في المعترك وتنادي بها وتدعو العالم اليها..، ان هذا الوعي والفهم هو وعي حركي باتجاه التغيير وانشاء امّة قائدة رائدة تستهدف تحكيم كلمة الله تعالى في الوجود…
لذا يصح لنا أن نقول ان الامام الصدر ادرك القرآن حق ادراكه لانه كابد وجاهد من اجل استئناف حياة اسلامية حقيقة، وراح يسأل ويستنطق القرآن في كل مجال تحرك فيه، ففي الحياة الاقتصادية مشكلة يجب ان تعالج.. والاختلاف في تحديد طبيعة هذه المشكلة.. والاسلام لا يرى ان المشكلة في قلة موارد الطبيعة ولا يرى ان المشكلة في التناقض بين شكل الانتاج وعلاقات التوزيع وانما المشكلة في الانسان نفسه، وهنا يستنطق الامام الصدر النص القرآني ليفصح عن كلمة الله تعالى في هذا المجال «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» (ابراهيم: 32 – 34).
هذه الآيات تفصح أن الله تعالى قد حشد وهيأ للانسان في هذا الكون الفسيح كل مصالح الانسان ومنافعه، ووفر له الموارد الكافية لامداده بحاجاته المادية، ولكن الانسان هو الذي ضيّع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له بظلمه وكفرانه «إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ»، فظلم الانسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الآلهية السببان الاساسيان للمشكلة الاقتصادية في حياة الانسان، ويتجسد ظلم الانسان على الصعيد الاقتصادي في سوء التوزيع. ويتجسد في كفرانه للنعمة في اهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها.
وفي المجال الفلسفي يستدل بالآية الكريمة: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (النحل: 78).
إن الامام الصدر يستدل بهذه الآية الكريمة على ان الانسان لحظة وجوده على وجه الارض لا توجد لديه أية فكرة مهما كانت واضحة وعامة في الذهنية البشرية، وهذا ما يمليه الوجدان البشري في الرد على النظرية العقلية التي ترى ان الفطرة والحس هما مصدر الفهم للتصورات والافكار البسيطة[2].
وسنتناول من خلال هذه الدراسة نماذج من كيفية تعامله مع النص القرآني في المجالات التي استضاء بالقرآن للكشف عن مشكلاتها.
التعريف ببعض مناهج التفسير
المنهج في اللغة هو الطريق الواضح، ومنهج التفسير، طريقة المفسر في تفسير القرآن الكريم، اي كيف يتعامل المفسر مع الآية القرآنية والنص القرآني، والتفسير معناه: الكشف والبيان، وتفسير القرآن: هو بيان مراد الله تعالى في النص اللغوي او من النص اللغوي. أما كيف يصل المفسر الى ظلال مراد الله تعالى، وما هو الطريق الذي يسلكه المفسر للوصول الى هدفه في الكشف والبيان؟
من البديهي ان يستعد المفسر لذلك بالادوات العلمية والوسائل الخاصة التي يفترض ان يكون متمرساً في استعمالها للكشف عن مراد الله تعالى وبيان أحكامه والغوص في أعماق كتابه، ولابد من التوفر على عدة علوم تخص تفسير القرآن.
انّ هذه الدراسة غير معنية ببيان كل ذلك، فلنبادر الى التعريف ببعض منهاهج المفسرين للقرآن الكريم ثم نتوقف عند اهم المحطات للامام الصدر ومنهجه في علوم القرآن الكريم.
التفسير بالمأثور
هو تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة الواردة عن رسول الله (ص) والائمّة الطاهرين وما ورد عن الصحابة المنتجبين، مع وجود اختلاف في هذا التعريف، اذ يرى بعض الباحثين أن ما نقل عن جميع الصحابة والتابعين في تفسير القرآن داخل في التفسير بالمأثور، ومن التفاسير التي تمثل هذا المنهج تفسير العياشي وتفسير فرات الكوفي وتفسير جامع البيان للطبري، والكشف والبيان للثعلبي، والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي.
التفسير بالرأي
يطلق الرأي على الاعتقاد والاجتهاد والقياس، والمراد بالرأي هنا الاجتهاد بعد التوفر على أدوات الاجتهاد، وعليه فالتفسير بالرأي عبارة عن تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة كلام العرب ومناحيهم في القول، ومعرقة الالفاظ العربية، ووجوه دلالتها والوقوف على اسباب النزول ومختلف علوم القرآن.
ولسنا هنا في معرض مناقشة المعارضين للأخذ بهذا المنهج في التفسير، ولكننا نعارض التفسير المذهبي الذي يعني ان يجعل المفسر المذهب والرأي أصلا والتفسير تابعاً، فيحتال في التأويل حتى يصرفه الى عقيدته ويرده الى مذهبه بأي طريق أمكن، ان هذا الاتجاه زاوله كثير من اصحاب الفرق والمذاهب الاسلامية ليصحح مذهبه ورأيه على النص القرآني المقدس، وليس هذا في الاعتقاد فحسب بل تناوله اصحاب الفنون الاخرى ايضاً فالنحوي لا هم له الا الاعراب وذكر ما يحتمل في ذلك من اوجه، وصاحب العلوم العقلية تراه يعني في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة، وكذا صاحب الفقه والتاريخ، وهكذا فسر كل صاحب فن او مذهب ما يتناسب مع فنه او يشهد لمذهبه ولو بطريق اخضاع النص القرآني والميل به مع رأيه، مما حدا ببعض المسلمين الى القول ان القرآن يدل على الاختلاف (فالقول) بالقدر صحيح وله أصل في الكتاب، والقول (بالجبر) صحيح وله أصل في القرآن الكريم.
اننا نرى ان التفسير المذهبي سواء كان بالرأي او صرف الآية بالمأثور يحجب المفهوم القرآني الصحيح ويحرف مدلول الآية الكريمة عن غير وجهتها.
فلابد من تفسير القرآن بطريقة ومنهج نجعل فيه القرآن متبوعاً رائداً، واماماً نتحرك بحركته ونستنير بضوئه ونهتدي بهديه، ما دلت عليه الآيات نأخذ به ولا نقّر اموراً مسبقة ثم نحاول بمختلف الاساليب اخضاع النص القرآني لذلك الرأي والمذهب، اننا يجب ان نفسر القرآن بموضوعية مجردة عن الذاتية والخلفيات الفكرية التي تشد النص اليها.
رأي الامام الصدر في مناهج المفسرين
رغم ان الامام الصدر لم يصنف كتاباً خاصاً في تفسير القرآن الكريم الا انّه كما أشرنا كانت له وقفات متعددة يراجع فيها القرآن، يستفتيه، ويستنطقه، ليقول كلمته، كلمة الله تعالى في الكون والحياة والانسان، ليقول كلمته في كل مشكلة تبرز في حياة الانسان، فكانت علاقته بالقرآن عميقة الجذور شاملة مستوعبة لمناحي الحياة.
لم يرفض الامام الصدر مناهج المفسرين، ولكنه وجد المعارف والمعلومات التي احتوتها تلك التفاسير في حالة تناثر وتراكم عددي دون ان تكشف أوجه الارتباط والتركيب العضوي لها، ودون أن تحدد نظرية قرآنية لكل مجال من مجالات الحياة. فكان موقفه أن يبدأ عمله من واقع الحياة، فركّز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية او الاجتماعية او الاقتصادية، واستوعب ما أثارته تجارب الفكر الانساني حول ذلك الموضوع، ثم يطرح هذا الموضوع او تلك المشكلة بين يدي القرآن الكريم، ويبدأ حواراً مع النص حول الموضوع او المشكلة المطروحة بهدف اكتشاف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح، فهي عملية اثارة مشكلة واستنطاق القرآن فيها، مستفيداً مما خلفته مناهج المفسرين السابقة والتي أطلق عليها التفسير التجزيئي، فوظف تلك المعلومات في تحديد موقف القرآن من المشكلة ورسم معالم النظرية، وهذا ما اصطلح عليه بالتفسير الموضوعي[3]، ويقول عنه انّه عملية حوار مع القرآن الكريم، واستنطاق له، ويروي حديثاً عن الامام علي (ع) بهذا الصدد اذ يقول عليه السلام: «ذلك القرآن فاستنطقوه، ألا ان فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم»[4]، ويعني قائلا: التعبير بالاستنطاق، اروع تعبير عن عملية التفسير الموضوعي بوصفها حواراً مع القرآن الكريم وطرحاً للمشاكل الموضوعية عليه بقصد الحصول على الاجابة القرآنية[5].
وهو بذلك يختلف عن مفهوم التفسير الموضوعي الذي تناوله الدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» ج1 ص 148 اذ يقول فيه:
«وكذلك وجد من العلماء من ضيق دائرة البحث في التفسير، فتكلم عن ناحية واحدة من نواحيه المتشعبة المتعددة، فابن القيم، ـ مثلا ـ أفرد كتاباً من مؤلفاته للكلام عن أقسام القرآن وسماه: «التبيان في أقسام القرآن، وأبو عبيدة، أفرد كتاباً للكلام عن مجاز القرآن، والراغب الاصفهاني أفرد كتاباً في مفردات القرآن، وابو جعفر النحاس أفرد كتاباً في الناسخ والمنسوخ من القرآن والواحدي في أسباب النزول والجصاص في احكام القرآن»، وهذا لم يكن تفسيراً موضوعياً بل ان بعضه جمع موضوعي، فالواحدي لا يدرس او يبحث في موضوع نزول القرآن وسبب النزول وتفريقات هذا العلم، بل جمع الاسباب التي نزلت فيها الآيات مرتباً على السور، وكذلك فعل النحاس، وما كتاب الاصفهاني الامعجم لمفردات الغريب من ألفاظ القرآن وليس تفسيراً موضوعياً بالمفهوم الذي يقصده الامام الصدر، ومجاز ابي عبيدة هو تفسير لغوي بشواهد من الشعر العربي لكل سور القرآن الكريم، فليس هو عملية حوار واستنطاق لآيات القرآن الكريم ومن ثم استخراج رأي القرآن في مشكلة ما ذات ابعاد وآفاق.
طريقته في التعامل مع النص
أولا: الابتعاد عن التفسير المذهبي، وهو الذي يجعل النص تابعاً لرأي سابق في ذهن واعتقاد المفسر، وهو ما عبر عنه بخطر الذاتية[6]، وذكر عدة اسباب بوصفها أهم منابع خطر الذاتية منها تبرير الواقع، ودمج النص ضمن اطار خاص وتجريد الدليل الشرعي من ظروفه وشروطه واتخاذ موقف معين بصورة مسبقة تجاه النص[7]. فالامام الصدر جعل النص متبوعاً وحاكماً والعالم المفسر تابعاً في علاج الواقع او المسألة المطروحة[8]، ولو قمنا بمراجعة دقيقة لتراثنا في التفسير لوجدنا أثر التفسير المذهبي في حجب المفهوم القرآني واضحاً جلياً في بعض تفاسيرنا، وقد ألّف بعضهم كتاباً سمّاه «حجج القرآن لجميع أهل الملل والاديان» روى فيه حجج كل فرقة من فرق المسلمين مع تعارض بعضها مع البعض الآخر، اذ ان ذلك يحصل بسبب الرأي المسبق والهوى المتبع وبدون رد آيات القرآن لبعضها، اذ ان القرآن يفسر بعضه بعضاً.
ثانياً: الاعتماد على ما تعطيه الآية والنص من مفهوم، وهو ما يعبّر عنه بحجية الظهور، كقوله في تفسير آية «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ» (النساء: 5) وفي هذا اشعاع بأن الخلافة في الاصل للجماعة وان الاموال اموالها بالخلافة وان كانت اموالا للافراد بالملكية الخاصة، وقد عقبت الآية على هذا الاشعاع بالاشارة الى اهداف الخلافة ورسالتها فوصفت الاموال قائلة: اموالكم التي جعل الله لكم قياماً «فالاموال قد جعلها الله للجماعة »[9] وفى شاهد آخر على اعتماده على ما تشعه الآية او النص من مفهوم هو استنطاقه القرآن في مبدأ الضمان الاجتماعي الذي تعتبر الدولة مسؤولة بصورة مباشرة عن ممارسته وتطبيقه في المجتمع الاسلامي، فيرى ان قوله تعالى: « خَلَقَ لَكُم مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (البقرة: 29) حق الجماعة كلها في موارد الثروة، لأن هذه الموارد الطبيعية، قد خلقت للجماعة كافة، وهذا الحق يعني ان كل فرد له الحق في الانتفاع بثروات الطبيعة والعيش الكريم منها، والدولة هي المسؤولة عن ضمان مستوى الكفاية من العيش الكريم لجميع الافراد بطريقة معينة[10]، ثم يستدل بنص قرآني يحدد وظيفة الفيء ودوره في المجتمع الاسلامي «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ» (حشر: 7) ، ويقول بعده: «ففي هذا النص القرآني قد نجد اشعاعاً بالاساس الذي تقوم عليه فكرة الضمان وهو حق الجماعة كلها في الثروة «كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم»، وتفسيراً لتشريع القطاع العام في الفيء، بكونه طريقة لضمان هذا الحق[11]، ومما يدل على اعتماده على حجية الظهور قوله في هامش ص 705 تعليقاً على استدلاله المتقدم اذ يقول «هناك بعض الروايات يدل على ما يخالف ذلك فى تفسير الآية، ولكن هذه الروايات ضعيفة السند كما يظهر من تتبع سلسلة رواتها، ولهذا يجب ان نفسر الآيتين في ضوء ظهورهما.
ثانياً: الاستفادة مما ذكره المفسرون قبله، وذلك حينما يتحدث عن مفهوم او ما تعنيه آية «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً» (نساء: 5) بأن الاموال قد جعلها الله للجماعة اي انه استخلف الجماعة عليها لا ليبذروها او يجمدوها، وانما ليقوموا بحقها ويستثمروها ويحافظوا عليها، فاذا لم يتحقق ذلك عن طريق الفرد، فلتقم الجماعة بمسؤوليتها[12]. وعلق في هامش الصفحة بقوله: «اتبعنا في فهم الآية أحد الوجوه المحتملة التي ذكرها المفسرون في تفسيرها. (ولكنه لم يذكر المصدر).
رابعاً: الاستفادة من اسباب النزول، كما جاء في تفسيره لآية«أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَيَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (توبه: 19).
وقد جاء في تفسير الآية الكريمة وسبب نزولها: أنّ شيبة بن عبد الدار والعباس بن عبد المطلب افتخرا بعملهما الاجتماعي في حماية الكعبة ورفادة الحاج، فقال شيبة: في أيدينا مفاتيح الكعبة فنحن خير الناس بعد رسول الله، وقال العباس: في أيدينا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام فنحن خير الناس من بعد الرسول، ومرّ بهم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) فحدثاه، فقال الا ادلكما على من هو خير منكما؟ قالا له ومن هو؟ فقال: هو الذي ادخلكما في الاسلام وآمن باللّه وجاهد في سبيله..، ولم يرق هذا للعباس وشيبة فاحتكموا جميعاً عند النبي (ص) فأنزل الله الآية المباركة ليؤكد أن العمل في اطار الايمان وبدافع الهي لا يمكن ان يقارن بأي عمل آخر، خارج هذا النطاق مهما بدا عظيماً[13].
خامساً: الاستفادة من المأثور، اي توظيف الحديث النبوي وحديث الائمة من اهل البيت (ع) وما ورد عن الصحابة والتابعين في فهم النص وصياغة الأحكام. كما ورد في تفسيره لآية الفيء (وما أفاء الله على رسوله منهم…) و (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى…).
فيقول: «ومن الواضح ظهورها في الحديث عن موضوع واحد وهو الفيء، فالآية الأولى تنفي حق المقاتلين في الفيء لأنّه مما لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، والآية الثانية تحدد مصرف الفيء، أي الجهات التي يصرف عليها الفيء، ومن الواضح ان كون المساكين وابن السبيل واليتامى مصرفاً للفيء لا ينافي كونه ملكاً للنبي والامام باعتبار منصبه كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة[14].
سادساً: الاستفادة من الآراء الفقهية لعلماء الامامية وعلماء المذاهب الاسلامية الاخرى، وهنا جسد الامام الصدر دعوته الى التقريب بين المذاهب الاسلامية، فهو حينما ينقصه الدليل الفقهي من علماء الامامية يتوجه الى علماء المذاهب الاسلامية الاخرى. وحينما يجد عندهم بغيته يأخذها دون تردد…، وترى ذلك واضحاً في كتابه اقتصادنا حينما يتحدث عن توزيع الزكاة والخمس فيقول: «فقد جاء في الحديث: أن الامام موسى بن جعفر ذكر بشأن تحديد مسؤولية الوالي في أموال الزكاة: انّ الوالي يأخذ المال فيوجهه الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم… يقسمها بينهم بقدر ما يستغنون في سنتهم بلا ضيق ولا تقية…» فيضيف الامام الصدر: «وهذا النص يحدد بوضوح ان الهدف النهائي الذي يحاول الاسلام تحقيقه ويلقي مسؤولية ذلك على ولي الأمر هو اغناء كل فرد في المجتمع الاسلامي، وهذا ما نجده في كلام الشيباني وهو (محمد بن الحسن تلميذ ابي حنيفة النعمان) على ما حدث عنه شمس الدين السرخسي في المبسوط، ثم ينقل النص[15].
سابعاً: نفي التعارض بين آيات القرآن الكريم، اذ ان القرآن يفسر بعضه بعضاً، فيعالج الامام الصدر التعارض الظاهري في مدة (اليوم) في قوله تعالى: « وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» (حج: 47) ومدة اليوم في قوله تعالى: «تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ» (معارج: 4-8) فيقول: ان اليوم الأوّل في الآية الاولى هو يوم توقيت نزول العذاب الجماعي وفقاً لسنن التاريخ، فاليوم الواحد في سنن التاريخ ألف سنة امّا اليوم الثاني فهو يوم القيامة يوم تكون السماء كالمهل وبهذا عند الجمع بين الآيتين فلا موضع للتعارض[16].
موقفه من علوم القرآن
جاء في المقدمة التي وضعتها لجنة تنظيم الكتب الدراسية لطلاب العلوم الاسلامية في المجمع العلمي الاسلامي تصديرا لكتاب محاضرات في علوم القرآن: أن كلية اصول الدين ببغداد، التي تأسست سنة 1965، كانت قد قدمت مناهج علوم القرآن الى سماحة آية الّه العظمى الشهيد الصدر (رض) ليكتب موضوعاتها ثم يلقيها على الطلبة استاذ علوم القرآن فيها حجة الاسلام السيد محمد باقر الحكيم، فكتبها هو قدس سره واتم بعضها السيد الحكيم.
وسأتناول نماذج من علوم القرآن لأبين موقف الامام الصدر منها.
ثبوت النص القرآني
كان للرواية التي أخرجها البخاري في صحيحه[17] وبعض أصحاب الصحاح والمسانيد عاملا أساسياً في دفع المستشرقين الى ترويج شبهة التحريف في القرآن، وراحوا يسلطون الاضواء على ما يؤيد اشاعاتهم في ذلك. فذاك المستشرق اليهودي المجري جولد تسيهر يقول في كتابه مذاهب التفسير الاسلامي: «فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقيدياً على أنّه نص منزل او موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في نص القرآن»[18]. فكانت شبهة التحريف مجال الاستغلال المتنوع للطعن في القرآن الكريم من قبل مختلف التيارات الكافرة التي يواجهها المسملون…، وكان موقف الامام الشهيد من هذه الشبهة هو ردها وتزييفها اعتماداً على أساس البحث الموضوعي وما تفرضه طبيعة الاشياء، بالاضافة الى النصوص الثابتة من القرآن والسنة.
وطبيعة الاشياء تلك هي مجموع الظروف والخصائص الموضوعية والذاتية التي عاشها النبي (ص) والمسلمون والقرآن، وهذه العوامل تؤكد على قيام النبي (ص) بجمع القرآن، وليس الصحابة في عهد أبي بكر أو عهد عمر.
ومن تلك العوامل أن القرآن هو دستور الامّة ومصدرها الأساس لثقافتها وحضارتها، وقد عكف المسملون عليه حفظاً، ودراسة وتطبيقاً، يضاف الى ذلك ان الرسول القائد (ص) كان قد خبر الحياة الانسانية بممارسة عملية الدعوة في مكة والمدينة، وقد علمه الوحي تاريخ الرسالات الالهية ونهايتها على يد المحرفين وتجار الدين، مما يدفعنا الى عدم الشك في ادراك الرسول لمدى ما يمكن ان يتعرض له النص القرآني من خطر حينما يربط مصيره بغيره وهو الحريص على معجزته الخالدة مع توفر أدوات الكتابة في عهده، اذ لا يفصل عهده عن التاريخ الذي انتبه فيه عمر ـ كما هي الرواية ـ الى خطورة ترك القرآن مبعثراً في عهد أبي بكر سوى أشهر، فكيف توفرت ادوات الكتابة بهذه المدة القصيرة ولم تتوفر في مدة ثلاث وعشرين سنة؟.
موقف الامام الصدر من المحكم والمتشابه
اختلف العلماء والمفسرون في تحديد المعنى المراد من المحكم والمتشابه الذي ورد في قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرَ مُتَشَابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ» (آل عمران: 7)، ويورد الامام الصدر عدة اتجاهات لعدد من العلماء المفسرين ثم يناقش تلك الاتجاهات، ولكنه يرى ان طبيعة البحث تفرض تقديم رأيه المختار أمام الاتجاهات الاخرى ليكون ضوءاً مسلطاً على تلك الاتجاهات لبيان مدى صحتها وانسجامها مع المدلول اللغوي والمحتوى الفكري للآية الكريمة فيقول: ان تفسير النص القرآني تارة يكون بتحديد المفهوم اللغوي العام الذي وضع له اللفظ، وتارة يكون بتجسيد ذلك المعنى في صورة معينة، ومصداق خارجي خاص، والتشابه الوارد لا يقع في تحديد المفهوم اللغوي للنص اي لا يقع في نطاق العلاقة بين اللفظ والمعنى اذ ان المعاجم اللغوية للغة العرب كفيلة ببيان ذلك، والقرآن أنزل عربياً، ولكن التشابه يقع في تجسيد صورة المعنى وتحديد مصداقه الخارجي الموضوعي، فحين نأتي الى قوله تعالى، (الرحمن على العرش استوى)، نجد للفظ الاستواء مفهوماً لغوياً معيناً اختص به، وهو الاستقامة والاعتدال مثلا، وليس بينه وبين معنى آخر في علاقته، باللفظ تشابه، هو كلام قابل للاتباع، ولكن التشابه في التردد والاختلاط في تحديد صورة هذا الاستواء في الواقع وتجسيد المصداق الخارجي بشكل يتناسب والخالق سبحانه الذي ليس كمثله شيء.
ويقابل ذلك تفسير المحكم الذي لا تشابه ولا تردد في تعيين وتجسيد صورة المعنى في الواقع وتحديد مصداقه الخارجي، ففي قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) نجد الصورة الواقعية لهذا المفهوم متعينة فهو ليس كالانسان ولا كالسماء ولا كالارض ولا كالجبال… الخ.
فالمحكم: ما يد ل على مفهوم معين لا نجد تردداً او صعوبة في تجسيد صورته في مصداق معين، والمتشابه: ما يدل على مفهوم معين تختلط علينا صورته الواقعية ومصداقه الخارجي[19].
ثم يتوجه الامام الشهيد لمناقشته تلك الاتجاهات على ضوء ما أقره من رأي.
مناقشة رأي الفخر الرازي
قال الرازي: ان المحكم هو ما يسمى في عرف الاصوليين بالمبين، والمتشابه ما يسمى في عرفهم بالمجمل، ويلخصه السيد الصدر بقوله:
اللفظ بحسب دلالته على المعنى ينقسم الى اربعة اقسام:
1 ـ النص: وهو ما كانت دلالته على المعنى بشكل لا يتحمل معنى اخر.
2 ـ الظاهر: وهو ما كانت دلالته على المعنى بشكل راجح مع احتمال معنى آخر.
3 ـ المشترك او المجمل: وهو ما كان دالا على معنيين بشكل متساو.
4 ـ المؤوّل: وهو ما كان دالا على المعنى بشكل مرجوح فهو عكس الظاهر.
والمحكم: ما كانت دلالته على المعنى من القسم الاوّل والثاني لوجود الترجيح فيها.
والمتشابه: ما كانت دلالته على المعنى من القسم الثالث والرابع لاشتراكها في أن دلالة اللفظ فيها غير راجحة، وانما سميا متشابهاً لعدم حصول فهم المعنى فيها.
ويرد عليه الامام الصدر بقوله: انه لا تشابه في علاقة اللفظ بالمعنى بقرينة أخذ مفهوم الاتباع في المتشابه الوارد في الآية المارة الذكر «فيتبعون ما تشابه منه» وهو لا يتحقق في موارد الاجمال اللغوي حين يكون المعنى دالا على معنيين بشكل مساو، وان الفخر الرازي يحصر التشابه في علاقة اللفظ بالمعنى فقط وليس له ما يبرره[20]…
اتجاه العلامة الطباطبائي
قال السيد محمد حسين الطباطبائي في الميزان: «ان معنى المتشابه ان تكون الآية دالة على معنى مريب مردد لا من جهة اللفظ، بل من جهة كون معناها غير ملائم لمعنى آية اخرى لا ريب فيها»، فالتشابه لا ينشأ من دلالة اللفظ على المعنى، ولكن الآية المتشابهة دالة على معنى يتعارض مع مدلول آية اخرى هي المحكمة، والمعنى المدلول للآية المتشابهة مردداً مريباً، وظاهر الآية السابقة من آل عمران هو انقسام الآيات القرآنية الى محكم ومتشابه بحيث تنعدم الواسطة»[21].
ويورد عليه الشهيد الصدر ملاحظات منها:
ان هذا الاتجاه غير قادر على تحديد الموقف تجاه الآيات التي تكون دالة على معنى مردد بين معنى مريب وغير مريب لان هذه الآيات لا تكون واجدة لميزان المتشابه لفقدانها الظهور اللفظي وهي غير محكمة، لما فيها من التردد في الدلالة على المعنى، وارجاع الآية المتشابهة الى المحكمة لا يجعل منها اية محكمة بل يقوم بتضييق نطاق تصور المعنى في المتشابهة، بالاضافة الى انه لا تعارض بين مفهومي المحكم والمتشابه لغة، بل ان الزيغ ينشأ من محاولة تأويل الآية المتشابهة الذي يعني تجسيدها في مصداق معين وصورة محددة، مما يفرض علينا الرجوع الى المحكم في محاولة تحديده وتجسيده، اذ لو كانت الآية المتشابهة دالة بحسب ظهورها على معنى باطل لكان مجرد اتباعها زيغاً دون تأويل.
وبهذا يخلص الامام الشهيد الصدر الى ان اي معنى قراني اذا لاحظناه فان كنا نتردد في تحديد صورته وتجسيد مصداقه فهو معنى متشابه والآية متشابهة، وان كنا لا نتردد في ذلك وانما يركن القلب والعقل الى صورة واضحة ومصداق معين فهو معنى محكم والآية محكمة[22].
موقفه من الاعجاز القرآني
المعجزة عند الشهيد الصدر هي أن يحدث النبي تغييراً في الكون يتحدى به القوانين الطبيعية التي ثبتت عن طريق الحس والتجربة… فاذا استطاع انسان أن يحدث ذلك فهو انسان يستمد قدرة استثنائية من الله تعالى، ويستدل الامام الصدر على ذلك باحداث التغيير الاجتماعي والسياسي والحضاري الذي احدثه القرآن الكريم والنبي (ص) في المجتمع حينئذ وبنى امّة ملكت اعظم المقومات والمؤهلات[23]…
وراح الامام الشهيد الصدر كعادته في الاستدلال بطبيعة الاشياء والظروف الموضوعية يستدل على كون القرآن معجزة وانه من الله تعالى وليس من عند محمد (ص) منطلقاً من واقع المجتمع العربي الذي بعث فيه النبي وأنزل القرآن، اذ أن مكة لم تمارس اي لون من الوان الحضارة والمدنية، ومن الطبيعي أن يكون الكتاب انعكاساً لعصره وواقعه الثقافي والحضاري، أمّا ان يطفر الكتاب طفرة هائلة ويأتي بدون سابق مقدمات وبلا ارهاصات بثقافة من نوع اخر لا تمت الى الافكار السائدة بعمله، بل تقلبها رأساً على عقب فهذا ما لا يتفق مع طبيعة الاشياء في حدود التجربة التي عاشها الناس في كل عصر. والنبي انسان من ذلك المجتمع اضافة الى انه لم ينل أي لون من الوان التعليم «وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطَّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ» (العنكبوت: 48)، وكما قال الوليد بن المغيرة: «والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن وان له لحلاوة وأن عليه لطلاوة وأن اعلاه لمثمر وأن اسفله لمعذق وانه ليعلو وما يعلى عليه»[24]. فلا بد ان يكون هذا الكتاب من الله تعالى وهو معجزة النبي الخالدة.
موقفه من الصرفة
الصرفة تعني أن القدرة عند البشر متوفرة على الاتيان بمثل القرآن، ولكن الله تعالى صرفهم عن معارضة القرآن ومنعهم عن الاتيان بمثله.
هذه الشبهة جاءت بسبب عجز الانسان على توالي القرون عن الاتيان بسورة من مثل القرآن مما جعل العلماء يقفون مشدوهين متحيرين باحثين عن سبب عجزهم وعجز البشر بل وعجز الجن والانس وبعد أربعة عشر قرناً عن الاتيان بسورة، فلم يجد بعضهم تفسيراً غير صرف الله تعالى لقلوبهم وعقولهم عن الاتيان بمثل القرآن، وقد قال بهذه الشبهة النظّام المعتزلي والراغب الاصفهاني وغيرهما، وقد رد الامام الشهيد الصدر على هذه الشبهة بقوله اولا: ان محاولة المعارضة وقعت من بعض الناس ولكنها كانت فاشلة سخيفة، ثانياً: لو قارنا بين النص القرآني والنصوص السابقة لوجدنا الامتيازات المتوفرة في النص القرآني على غيره من النصوص في العصر الجاهلي، فليس هناك صرفة، وانما هو تنزيل من لدن حكيم حميد.
ثم يعقد الامام الشهيد الصدر فصلا في الدفاع عن الوحي الالهي تتمة لبحث الاعجاز، اذ راح الجاهليون واعداء الاسلام من مستشرقين ومبشرين يثيرون الشبهات حول النص القرآني وانه ليس من وحي الله تعالى، بل من صنع محمد وهو وحي نفسي فركز حديثه على ثلاث نقاط:
الاولى: ان الدلائل التاريخية وطبيعة الظروف التي مر بها النبي (ص) تأبى التصديق بهذه النظرية وقبولها، اذ بنى اصحابها وهمهم على امر مسبق وهو ان الوحي ليس منفصلا عن الذات المحمدية، وساقوا امثلة تاريخية منها لقاء الراهب بحيرا مع النبي محمد (ص) واستنتجوا من ذلك ان محادثات دينية وفلسفية تمت في ذلك اللقاء، وغير ذلك من الأمثلة.
ويرد عليها السيد الصدر انه لم يعرف عن الرسول محمد (ص) انه كان ينتظر أن يفاجأ بالوحي او يأمل ان يكون هو الرسول المنتظر، بالاضافة الى الاضطراب والخوف حين فوجئ بالوحي في غار حراء، وتضاف نقطة اخرى هي انه يلزم ان يطرح النبي (ص) أفكاره ومفاهيمه عن الكون والحياة جملة واحدة، وهو مطلب رفعه المشركون اليه، ولكن التاريخ يؤكد ان اسلوب الدعوة كان يختلف عن ذلك.
ثانياً: المحتوى الداخلي للظاهرة القرآنية، يناقض نظرية الوحي النفسي، ان سعة التشريع الاسلامي وعمقه وشموله مع دقة التفاصيل والانسجام الكبير بين هذه التفصيلات برهان على تلقيه عن طريق الوحي الالهي.
ثالثاً: موقف النبي من الظاهرة القرآنية، اذ النبي (ص) عبدٌ ضعيف لله تعالى (واذا تتلى عليه آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا او بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع الا ما يوحى اليّ اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم). (يونس 51)
وفي آية اخرى «وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً». (الاسراء: 74 و 75)
وفي حالة ثانية يبدو النبي (ص) خائفاً من ضياع بعض الآيات القرآنية ونسيانها، « وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ» (طه: 114) « لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ» (القيامة: 16 ـ 17).
وهناك ادلة اخرى يسوقها الامام الصدر أعرضنا عنها للاختصار.
رأيه في فواتح السور
فواتح السور او الحروف المقطعة في اوائل بعض السور تناولها المفسرون بالبحث ومحاولة التفسير، وقد عد الرازي من مذاهبهم واحداً وعشرين مذهباً وتفسيراً.
وهناك اتجاهان رئيسيان في تفسير هذه الحروف:
الاتجاه الاول: انها من الاشياء التي استأثر الله سبحانه بعلمها وانها سر الله وسر القرآن فلا تطلبوه.
والاتجاه الثاني: ينطلق من حقيقة ان الله تعالى وصف القرآن بصفات متعددة لا تتفق والخفاء والاستئثار فهو بلسان عربي مبين وهو تبيان لكل شيء وهدى للناس، وحين يكون القرآن بهذه الصفة لا يمكن الا ان يكون مفهوماً للناس واضحاً لهم.
فتعددت الاراء على ضوء ذلك في تفسير الحروف المقطعة هذه، وحين يحدد الامام الشهيد موقفه من هذه المذاهب والاراء فهو ينطلق في ضوء بعض الظواهر العامة التي تقول بعدم ورود تفسير واضح للفواتح عن الرسول وسكوت الصحابة عن السؤال عنها، وعدم تعارف استعمال العرب لهذا الاسلوب في كلامهم. ويفسر الامام الصدر ذلك في كونه امّا واضحاً جلياً مما ادى الى سكوت النبي والصحابة عنه او انها من المتشابهات التي يحسن السكوت عندها، او انه كان نتيجة ان الغاية من استعمالها كانت جارية على نهج أن هذه الحروف جاء ليفتح القرآن اسماع المشركين الذين تواصوا بعدم الانصات اليه كما جاء في قوله تعالى: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) فكانت هذه الحروف بطريقة عرضها وغموضها سبباً للفت انظار المشركين الى استماع القرآن الكريم، فانه المذهب الوحيد الذي شرح القضية بشكل ينسجم مع هذه الظواهر ولا يستلزم السؤال والاستفسار.
نموذج من اجتهاده في فهم النص
الانبياء المرسلون يأخذون الرسالة مرتين ويتلقون الرسالة مرتين، المرة الاولى استيعاب المعارف الالهية على وجه الاجمال، والمرة الثانية نزول الرسالة على سبيل التفصيل محركة ومتحركة مع الامة وموجهة لها في حل مشاكلها وبناء كيانها، فنرى موسى (ع) قد خاطبه الباري عزوجل في حوار سيناء في الوادي المقدس وحمله الرسالة بكل ابعادها، فاتضحت معالم الرسالة لموسى (ع) وانطلق في ضوء ذلك بكل قوة وثبات وجرأة لانذار فرعون، فدخل عليه بعصاه ونعليه وملابس الرعاة وابلغه رسالة ربه، ثم راحت الرسالة تنزل مفصلة هادية بني اسرائيل في ادارة الصراع مع فرعون وملئه.
وذاك عيسى (ع) «قال اني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبياً» ثم انزل الله عليه الانجيل والتعاليم، وجاء محمد رسول الله (ص) وانزل الله عليه القرآن بمعالمه الرئيسية وابعاده الستراتيجية وتصوره عن الكون والحياة والانسان، ثم نزل عليه القرآن تنزيلا متحركاً مع حركة الامة وموجهاً لها.
وكذلك اتباع الانبياء والرسل، اما وصل الى سمعك قول علي (ع) «علمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح من كل باب ألف باب»، وحينما تواجهه مسألة بعد وفاة رسول الله (ص) بربع قرن يجيب عليهاويقول «هذا ما علمنيه رسول الله».
والامام الشهيد الصدر (رض) أخذ القرآن أخذاً اجمالياً ودرس القرآن درس استيعاب، فتجلّى القرآن كله لقلبه وارتسمت ابعاده في ذهنه ثم راح يرسم ابعاد القرآن في الدولة، والسياسة، والاقتصاد، والفلسفة فعاد الى القرآن ثانية لينحت منه حلا لمشكلات العصر ويفهم القرآن بذهنية العصر، (ذلكم القرآن فاستنطقوه) فكانت اطروحاته العملاقة هي نتاج محاوراته مع القرآن وتسجيله لما نطق به القرآن اثناء المحاورة.
نماذج من انفراده في التفسير
اولا: « بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بَأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ» (الحشر: 14).
كانت آراء المفسرين في هذه الآية متقاربة، قال العلامة السيد الطباطبائي في الميزان: (اي هم فيما بينهم شديدوا البطش غير انهم إذا برزوا لحربكم وشاهدوكم يجبنون بما ألقى الله في قلوبهم من الرعب» (الميزان 19/213)، وقال القرطبي في الجامع لاحكام القرآن: «يعني عداوة بعضهم لبعض» 18/36، وقال الطبرسي في المجمع: «عداوة بعضهم لبعض شديدة يعني انهم ليسوا بمتفقي القلوب» (المجمع 5/264)، وقال الزمخشري في الكشاف: «ولا يرمون عن قوس واحدة» 4/507.
وفصل المراغي في تفسيره بقوله: «… فلا يمكن ان يقاتلوا عدواً لهم وهم في تخاذل وانحلال، ومن ثم استكانوا وذلوا… وفي هذا عبرة للمسلمين في كل زمان ومكان، فان الدول الاسلامية ما هدّ كيانها وأضعفها أمام أعدائها الا تخاذلها أفراداً وجماعات، وانفراط عقد وحدتها ومن ثم طمع الاعداء في بلادهم.. وعسى الله أن يأتي بالفتح ونصر من عنده فيستيقظ المسلمون من سباتهم ويثوبوا الى رشدهم فيستعيدوا سابق مجدهم…». ج 28/50
ويستفيد الامام الشهيد الصدر من كل هذه الآراء ويوظفها في منهجه ويصوغها صياغة جديدة بلغة، عصرية، ينقلها من عصرها الى عصره، ثم يغوص في أعماق الآية ليأتي بعلم جديد بجوهر جديد انّه يبحث عن حقيقة هذه الظاهرة عن فلسفة هذه الآية ما السبب الذي يجعل الامة والجماعة والحركة بأسها بينها شديداً ويتركها متداعية خاوية على عروشها…؟.
فيطرح ذلك بلغة العصر وثقافة العصر، ويطرح الجواب بلغة حركية واعية تدفعها خلفيته الثقافية والحركية ووعيه للواقع وتصوره عن علاج وتغيير الواقع، القرآن كتاب حركي أنزله الله تعالى ليصنع أمة ويغيّر التاريخ ويقود العالم، ان مفاهيمه واحكامه تأبى الجمود والتحجر، وتنفتح على الكون والوجود والواقع، وتأخذ بنظر الانسان الى المستقبل البعيد والبعيد جداً…، وكل مفسر يتعامل مع القرآن انطلاقاً من خلفيته الثقافية وتصوراته الخاصة.
الامام الشهيد الصدر يرى أن علة ذلك تعود الى المحتوى الداخلي للانسان اذ هو الاساس لحركة التاريخ، والمحتوى الداخلي يجسد الغايات التي تحرك التاريخ وبالتالي فالمستقبل والأمل هو المحرك لأي نشاط، والمحتوى الداخلي يتمثل في الفكرة والارادة…، فالبناء الاجتماعي العلوي، مرتبط بهذه القاعدة، فالعلاقة بين المحتوى الداخلي للانسان والبناء الفوقي للمجتمع علاقة تبعية وهي تمثل سنة تاريخية «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 11).
ثم يعود الى نقطة البدء في بناء المحتوى الداخلي ويرى ان الاساس في بنائه هو المثل الاعلى الذي يتبناه الانسان، وبقدر ما يكون المثل الاعلى للجماعة البشرية صالحاً، وعالياً، وممتداً تكون الغايات صالحة وممتدة…، وقد تتبنى الحركة او الجماعة مثلا هابطاً تكرارياً بسبب الالفة والعادة والخمول والضياع، « إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُهْتَدُونَ» (الزخرف: 22).
ان حب السلامة والدعة والخمول وسيطرة الواقع على اذهان الجماعة في الحركة وأذهان الامة حوّل الانسان الى ان يكون ابن يومه وابن واقعه.. انه لا يريد ان يرتفع عن هذا الواقع، عن هذا المستوى الهابط… وهناك سبب آخر اجتماعي نابع من التسلط الفرعوني على مر التاريخ اذ من مصلحة المنتفعين بالواقع أن يغمضوا عيون الناس، ان لا يدعوا الوعي يدخل الى ذهنية الامة، بل يحوّلوا هذا الفرعون، وهذا المتسلط الى اله الى مثل أعلى لا يمكن تجاوزه، فتتجمد الامة في حاضرها ولا تطمح الى التطلع عن مستقبل لها.. يوحي الى الامة والى الحركة ان لا يوجد غير هذا الموجود «مَا عَلِمْتُ لَكُم مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» (القصص: 38)، «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» (غافر: 29)، أي ان الامة والجماعة والحركة يجب ان تتحرك في اطار رؤيته، يحول نظرته الى الواقع الى مطلق لا يمكن تجاوزه لانه يرى في تجاوزه خطراً عليه.. ان هذا التجميد ضمن اطار الواقع الذي تعيشه الجماعة ـ اية جماعة ـ ينشأ من حرص أولئك الذين تسلطوا على هذه الجماعة على ان يضمنوا وجودهم… وهذا يؤدي بالمتسلطين او المتصدين لقيادة جماعة او حركة ما يؤدي بهم الى الطغيان فيطلق عليهم القرآن مفهوم الطاغوت.. قال تعالى: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ…» (الزمر: 17 ـ 18).
ان هذا المثل الذي تحول الى طاغوت سيفقد فاعليته بالتدريج ويفقد قدرته على العطاء، وتحس الجماهير انه اصبح امراً مفروضاً متسلطاً، وبالتالي تسحب الامة والجماعة ولاءها لهذا المثل، فينفرط عقدها وتتمزق وحدتها التي كانت قائمة بمثلها الاعلى وتكون كما وصف القرآن الكريم «بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بَأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ» (سورة الحشر: 14). ان قوتهم انقلبت ضدهم وليس ضد عدوهم، باعتبار ان التناقضات تبدأ في داخل هذه الامة، وهذه الحركة وهذه الجماعة التي لا يجمعها مثل أعلى… انها قلوب متفرقة، واهواء متشتتة، وعقول مجمدة، وفي حالة كهذه ينصرف كل فرد في الجماعة والحركة الى همومه الصغيرة وقضاياه المحدودة والى تفكيره في اموره الخاصة، الى مأكله وملبسه، وراحته، واستقراره، لقد تناول الامام الشهيد الصدر هذه الآية، غاص في اعماقها وحلق في آفاقها حتى تناول علومها وصاغها مع لغة العصر وذهنية العصر ليفهمها انسان العصر، وتحرك معها وهي تأخذ بيده الى أصل الداء، الى النفس الانسانية الى المحتوى الداخلي للانسان، والى الرموز المتسلطة على الامة، وعلى الجماعة، وعلى الحركة الذين يتحولون بمرور الزمن الى طواغيت وآلهة ومثل مطلقة لا يجوز تجاوز اطار تفكيرهم، وتوجهاتهم، وبالتالي يقودون الامة، والجماعة، والحركة الى التداعي والتشر ذم والانهزام. امام ضربات العدو الذي لا يملكون القوة الذاتية لمواجهته، انهم منهزمون نفسياً وروحياً انهم خائروا القوى ذاتياً (بأسهم بينهم شديد…)، فيعمدون الى الذوبان والانصهار في مثل اعلى اجنبي خارج الحركة وخارج الجماعة تمنحه ولاءها وقيادتها وتبرر ذلك بالواقع البائس.
ويبرر ذلك دينياً ويقنن شرعياً ويتهم المخالف بالزندقة والردة والخروج من الدين…، انه لابد ان ينشأ داخل الامة وفي اعماق الحركة توجه جديد بضرورة اعادة المثل الاعلى بل تبني مثل أعلى هو غير ذلك المثل الذي خلق من الامة شبحاً يتهاوى بأضعف الضربات…
الخلاصة
حينما يتحدث الامام الشهيد الصدر في موضوع ما يبدو ذلك جديداً دائماً بسبب صياغته صياغة عصرية جديدة، وتراه يلم بكل اطراف الموضوع جامعاً شتاته رابطاً اجزاءه مستوعباً آفاقه راسماً صورة جميلة بابداع وابتكار… وهناك تبدو لك الخسارة الكبرى واضحة جلية في فقدان هذا العلم الشامخ والعقل المفكر المبدع، والشخصية القيادية الفذة، وكم تبدو لك ضخامة الجريمة التي اقترفتها اليد الآثمة التي امتدت لاغتيال هذه الشخصية الربانية.. ان الامام الشهيد الصدر كان امة انطوت في رجل.. استطاع ان يستوعب كتاب الله ليكون له ينبوعاً للفكر والجهاد حتى الاستشهاد، فسلام عليه مع الانبياء والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.
آثار الامام الصدر في التفسير
1 ـ السنن التاريخية في القرآن.
2 ـ العمل الصالح في القرآن.
3 ـ الحرية في القرآن.
4 ـ خلافة الانسان وشهادة الانبياء.
5 ـ محاضرات في علوم القرآن (كلية اصول الدين ببغداد).
6 ـ آيات مفسّرة متناثرة في كتاب اقتصادنا وفلسفتنا ورسالتنا والفتاوى الواضحة والمدرسة الاسلامية، الاسلام يقود الحياة وغير ذلك.
شمران العجلي[1]
[1]. د. شمران العجلي
٭ مواليد سوق الشيوخ (العراق) 1942م.
٭ حصل على شهادة البكالوريوس في علوم القرآن واللغة العربية من كلية اصول الدين في بغداد عام 1969م.
٭ حصل على الماجستير في العلوم الاسلامية من كلية دار العلوم، القاهرة عام 1981م.
٭ حصل على الدكتوراه في الآداب من كلية الآداب جامعة عين شمس عام 1984م.
٭ عمل استاذاً في الآداب واللغة العربية في جامعة تلمسان في الجزائر.
٭ نشرت له عدة مقالات وبحوث في الصحف والمجلات العربية.
٭ يعيش حالياً في لندن.
[2]. المدرسة القرآنية: 30،34.
[3]. المدرسة القرآنية: 30،34.
[4]. المدرسة القرآنية: 35.
[5]. المصدر السابق: 35.
[6]. اقتصادنا: 404.
[7]. المصدر السابق: 404.
[8]. المدرسة القرآنية: 35.
[9]. اقتصادنا: 566.
[10]. اقتصادنا: 703.
[11]. اقتصادنا: 704.
[12]. اقتصادنا: 566.
[13]. العمل الصالح في القرآن: 38.
[14]. اقتصادنا: 705.
[15]. اقتصادنا: 9 ـ 7 ـ 710.
[16]. المدرسة القرآنية: 92 بتصرف.
[17]. صحيح البخاري باب جميع القرآن: 6/98.
[18]. مذاهب التفسير الاسلامي: 4.
[19]. محاضرات في علوم القرآن: 135،136.
[20]. المصدر السابق: 137،138،139.
[21]. المصدر السابق: 141،142،143.
[22]. المصدر السابق: 143،144،145.
[23]. المصدر السابق: 232، 233.
[24]. المصدر السابق: 234 ،235.