مرثية الجراح الأولى

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

مرثية الجراح الأولى

عطاشى الجرح نرتشف الرمالا*** ونخفي تحت أضلعنا النصالا
ونعبرٌ موتنا حلماً.. جريئاً*** طوى بجناحه حلماً.. محالا
ونولدٌ مرةً أخرى كأنا*** دفنّا في التراب لنا خيالا
يشيبُ الجمرُ في دمنا ويأبى*** رمادُ قلوبنا الا اشتعالا
مسافاتٌ تطاردنا.. وتحبو*** مشوّهة ً فنسحرها جمالا
نسافر في الجفاف المرّ خصباً*** ونطلع منه ورداً… او ظلاظلا
تعاندنا المرافىء.. عاقرات*** فنرحلُ خلف أشرعة حبالى
الى ضفة تعانقنا بكاءً*** ونلمحُ بين ادمعها.. سؤالا
من الآتون؟.. ثمّ يضج صوتٌ*** على أدراج حيرتنا.. تعالى
قفوا.. ماذا حملتم؟ أي نعش*** مشت فيه الرؤى سرعى عجالى؟
هل أختطف الربيع؟ وهل تشظت؟*** مواسمهُ شريدات.. ثكالى؟
قفوا هذا زمان الصمت شدّت*** شرايين الحياة لنا.. حبالا
وحسب دموعنا انّا بكينا*** من اختصر الرجولة والرجالا
رحيلك أم شافٌ مطفئات*** لوى الزمنُ ابتسامتها اغتيالا
فكان اليأس اكبرنا رجاءً*** وكان الصمتُ افصحنا مقالا
سألنا الشمس أين مضى؟ فراحت*** تغيبُ أسى… ومالت حيثُ مالا
ويغرينا مدارُ النجم أنّا*** وجدنا فيه منك خطىً طوالا
أأنت رحلت امس أم أن جيلا*** من الابطال قد شدّ الرحالا
وماذا خلف ليلك غير اف***ضبابي.. طلعت به هلالا
وغير شواىء للملح صلّت*** على شفتيك فانسابت زلالا
وما نسي «الفرات» ظلالا كفّ*** تعلمُ غصبة الموج الدلالا
ولا عرف «العراق» سواك وجهاً*** يقاسمه التوهّج.. والجلالا
ولكن كان موتك الف مرة*** تقدس حزنه عن أن يقالا
رويدك لم يزل في القلب نبض*** يهزّ على ارتجافته الجبالا
حملت به المنى وجعاً وسيفاً*** واتعبت التمرّد.. والنضالا
وفاجئت انكسارتنا.. وأفقاً*** رأينا خلفه السحب الثقالا
بأنّا حالمون على سراب*** بأحداق.. ترى الرمد اكتحالا
وان خيولنا الشقراء شدّت*** أعنّتها على أيدي الكسالى
وقلت لخوفنا سيّان، مالت*** لنا سلماً.. أم اقتحمت قتالا
يذوب الغدر في دمها وفيّاً*** وتحلمُ ان تذوب به احتيالا
وقلت بأن ارضاً سال فيها*** دوم الشهداء.. صرحٌ لن يطالا
حرامٌ أن تمدّ بها أكفٌ*** اليكفّ ترى دمنا حلالا
وكيف نخادع الزيتون أنّا*** كسرنا عنه قيداً واعتقالا
ولم تبرق بجنتهم جحيما*** ولم تمطر بلوعتهم صلالا
وسرت بها على وهج المنايا*** تجنّبها المتاهة.. والضلالا
لتكتشف الخلود لها طريقاً*** وغيرك راح يكتشفُ الزوالا
لظىًورؤاك تفتح جانحيه***لتحتضن الا سنّة.. والنبالا
تشدّ جراحنا.. وتلمّ نزفاً*** تدّفق من طفولتنا.. وسالا
وخلف عيوننا يبكي «عراقٌ»*** صحا ليلُ العذاب به.. وطالا
تحزّ بعنقه السكينُ صمتاً*** وينشدُ غنوة الموت ارتجالا
ذئاب الجوع تنهشهُ اشتهاءً*** وقاتله يهدهده افتعالا
يساقيه كؤوس النار، حتى*** اذا جنّ اللظى.. خاف النزالا
وسلّم سيفهُ الخشبي ذلا*** وقبّل نعل سيداه امتثالا
وعاد وليس في شدقيه الا*** حكاياتٌ قد ارتجفت هزالا
هزائم أمة سخرت بأمس*** وزالت كي يجيء غدٌ.. فزالا!
وكانت تمنحٌ الزمن امتداداً*** وكانت تملأ الدنيا فعالا
وما قالت لي التأريخ الا*** أطلّ وراءها قدرُ.. وقالا!

الثانية
من دم مطفأ يجيء النهار*** فاحتضار البركان ومضٌ ونارُ
وبحضن الجراح يحتبيء الطوفان طفلا.. ويولدُ الاعصارُ
فهي بوّابة التمرّد… تقتات الشظايا لتاهطل الامطارُ
وهي صمتٌ… يهزّ أعماقه الرعدٌ… وتدوي بضفّتيه البحارُ
ليس موتاً هذي الدماءُ… فللجرح غموضٌ.. تلفّهُ الاسرارُ
يتبع الخصبُ خطوه أينما مرّ… وتمشي وراءه الانهارُ
كيف صارت للملح رائحةُ الورد المندّى فاخضرّ حتى الغبار؟
كيف رنّت معزوفةُ الوجع المرّ… وجنّت بلحنها القيثارُ؟
فاذا اليأسُ رغبةٌ، وآنيهارُ الروح رفضٌ… وخوفنا اصرارُ
ها هو الجرحُ يفتحُ الزمن المغلق فينا، فتسقطُ الاسوارُ
حملت لونك المرافىء والموجُ.. فأنت الشراعُ والبحّارُ
وارتوت دفئك الينابيعُ… واشتاقك رملٌ معذّبٌ وقفارُ
وارتديت الربيع فاستغفر الماءُ ابتهالا.. وصلّت الاشجارُ
ورمت عندك القافلُ أجراساً… وألقت اتعابها الاسفارُ
انت فاجئت موتنا فأفقنا*** بعد أن شدّ نبضنا الاحتضارُ
خذ حكاياتنا المدّماة في لحظة حبّ تفدى لها الاعمارُ
سترانا نطوي على القيد اضلاعاً… برتها زنزانةٌ وجدارُ
يا دم «الصدر»… يالظى الزمن الآخر… انت المدى وانت المسارُ
اكتشف صبحنا فكلّ مساء*** يصلبُ الانبياءُ والثوّارُ
للشوارع الغريق نرفو أمانينا وقد أطفأ العيون الدوارُ
ونسمّي الرماد ماةً ليصحو*** نورسٌ متعبٌ وأرضٌ بوارُ
ونقولُ: السماءُ أبعادنا الاخرى اذا ضاق في التراب المدارُ
آن للجرح أن يرى في طقوس الموت دمعاً هدوءه تيّارُ
آن… لكن وراء احداقنا يرقدُ ذلٌ مشوّهٌ وانكسار
والشافُ الخرساءُ ان عزفت لحن التحدّي… تهشّم المزمارُ!
في خيام الضباب عريُ الصحارى*** ولنا في الضباب أهلٌ ودارُ
ولنا في مواسم القحط ناعورةُ ماء، وصبيةٌ، وجرارُ
ولنا في مقابر الشمس أشلاءُ خيول لم يلوهنّ العثارُ
فلماذا يضيع لونُ القناديل ويخفي الاشياء وحلٌ وقارُ؟
ولماذا يسافرُ البحرُ عنّا*** ويلمّ الشواطىء المحّار؟
نحن حلمُ الارض الجريحة يطويه ضياعٌ وغربةٌ وانتظارُ
تحتسي صوته الرياحُ… ويبنيه فضاءٌ ممزقٌ… منهارُ
طعنته المنى… فما زال شلو*** وعلى وجهه يسيلُ العارُ
عمرهُ رحلةٌ مع الموت تحدوه دروبٌ مخبولةٌ وانتحارُ
نحن حلمُ الفراغ… قافلةٌ حيرى تخافُ السرى… وخطوٌ معارُ
فتدفّق يا رفضُ بين الشرايين… لتهوي في روحنا الاحجارُ
وتسلّل كالضوء تورق حناناً*** نافذاتٌ مسمورةٌ وحصارُ

حسن عبد الحميد السنيد