ثلاث قصائد

السید فاضل النوري

نبض الهیام

من أوج إحساسي
ثنائي والسلام
یا مسرح الإلهام
في أفُق الهیام
یا ذروة الإشراق
في عمق الشذی
یا عبقة العرفان
یا سِحر الغرام
لا لجّة الأسرار
یا همس الندی
في نشوة الأسحار
في أشهی مُدام
یا مجمع اللذات
في طِیب الوصال
وأنس سامرة الملائکة الکرام
ما زلت معمود الصبابة والهوی
في مِصهر الأشواق
في أحلی ضِرام
***
يا مبدعاً ثوريةً
مشبوبةً
في نهج سبط المصطفی
فَذّ المقام
یا باذلاً في الله
زاکيَ مهجة
بل همّ قلب فاق
محذور الحِمام
یا رهن أطواق الظلامة والأذی
في مِذْوب التهمام
من أقسی کلام
شبْوٌ بقلبك
کي تریح قلوبنا
أرَق بعینك
کي یطیب لنا المنام
حسدتك أوغام
أطار حلومهم
مجد تألّق زاهراً
وهمُ رَغام
حاشوك بغیاً للمهاوي والردى
ما ذادهم عن ذاك
إلٌّ أو ذمام
والکفر ذفّف
حیث أنت رمیّةٌ
نشبت نُصول الغیظ فیها والسهام
***
سارت وراءك تحتذي
زمر المیامین التي
عشقتك عشق المستهام
جَبَهَت طغاة الرافدین مرامها
کإمامها حزّ الظُبا
أو لا تضام
وأعارت الرحمن أرواحاً أبت
إلا رضاك
بوقفة الصيد الکرام
قد أبصرت فيك الدلیل لركبها
في طیش معترك الضلالة والظلام
تحنو علیها
مثلما تحنو الرؤوم
تفیض فیها عابقاً
طیب الوئام
عوّدتها طِیب اللقاء وأنسهُ
وحدیث روحٍ نافذاً فيه ابتسام
في هیج موج العادیات من العمى
ألِفَتك فُلك نجاتها والمستعام
واسَیتَها
لمّا استُضِیمت
وهي في أسر الطوی
شاطرتها طعم العُجام
قد سُستها باللطف
خیرَ سیاسة
أعددْتَها للفتح
للکُرَب الجِسام
***
لك أسوة
في الغُرّ لما خطّطوا
شاموا سیوف العقل
في وجه الطَغام
حتّی إذا آن القطاف
حسرت عن قلب تشظّى
هادراً فیه اضطرام
وفلقت بحر الهول
في إعجاز حکمتك التي
حارت بها فِطَن الأنام
وعبرت موج الخطب
في روح
یحصّنها الیقین
یؤزّها وهج القیام
أبطلت مکر السامري
وضلّة موسومة
بخوار بهتان عُرام
قاسیت کیدَ الإفك
عجلاً فاتناً
وشربتها کأساً
دهاقاً من سِمام
وحملت أثقال المسیر
ولم تکن
تعنو لروعٍ
شیمة القَرم الهمام
***
یا خائض الغمرات
في لهواتها
وسواك کالبادي
ویهدي الاتهام
بثّ المنون
إلیك في تخذیله
سمّاك ضلّیلاً
وشمّر للخصام
یا وِتْر
أولیتَ العراق بدیعة
عیّت بها النُجَداء
قبلك والفخام
وورثت
کلّ ذحولنا وتِراتنا
ولزمت فرض الثأر
أسمی الالتزام
ورأیت شأن الصول
في أثباجها
أعلی سجایا مَن یراعون الذمام
ما هِبْت من فزع
ولم تدع الحمی
لتذبّ من نأي
وفي رشق الکلام
وبقیت حِلْس الکرب
صخريّ القوی
لا مثل مَن
في سکرة النُعمی استنام
کابدت في
عمق البراکین التي
هدرت ویزعق فيك
رعد الاصطلام
***
لما صوی ضرع الأمان
وصوّحت
أرجاؤه
وتجهّمت أرض صَوَام
وجفا بنوها حضنها
المخشوشن المشحون بالبلوی
وبالمحن العُقام
ظلّ التقي
لجرأة وفریضة
یلوي عنان الخوف
یصبر في الضرام
ما کان بالرعدید
منتفخاً له
سَحرٌ یفرّ به
إلی دِعة السلام
حاشاه
ما سلك الطریق إلی الهنا
لیعاف أمّته
مع العیش الجَهام
فشعاره
کفؤاده الطودي لا
للنأي عن شعب
أبی حکم القِزام
محیاي محیاه
وهیهات الجفا
طعم الفراق
أمرُّ من طعم الحِمام
في السلم صاحبه
وقائدُ رکبه
وأنا القرین له
علی المحن الصُرام
***
یا مَن تضرّم للهدی
لمّا دعاه لنصره
أرخی له أسمی زمام
في لجّ عاصفة
ویوم هادر
وزعیق أعصار
ونار واخترام
فنبا بهفهاف الظلال
ولم یکن
یهفو إلیها
واشتری الموت الزؤام
واهتاج رکب المرملین لفیضه
ینجي الربوع المُمحلات من الأوام
أنطقت أفواها غدت مکعومة
وأزلت عمّن کُمّموا
مرّ الکِمام
ورفعت عن جیل
تعطّشَ للرضاعة
من هُداك الحظر
في عود الشِبام
***
یا من مضی في الدرب
رغم قصیفه
لم یختش التهویل
لا فرط الملام
نور البصیرة
في فؤادك زاهرٌ
یهديك في الخطوات
هدي الاعتصام
ذو حسبة مشهودةٍ مستمسك
بالعروة الوثقی
ملاذك والدعام
في وقده التکلیف
قلبك یلتظی
ویثور موّاراً به
حَرَدُ انتقام
وکشفت عن آفاقنا ظلماءها
ومحوت عن أمجادنا
لیلَ الرُکام
***
جاؤوه أفواجاً
فکان مسبِّحاً
بالحمد یشکر لطف مَن
یحیي الرِمام
بهداه في التِیه
استنار سُراتنا
یشدو ویحدو رکبهم
نحو الأمام
تسنو سحائبه
جناباً مجدباً
یهتزّ، یربو
نبتُه روض الخَزام
ویفیضُ من إحساسه
نبع جری
سلساله للصادیات
وکلّ ضام
کسر العُناة کبولهم
وتوسّموا فیه المحرّر
من أسار واهتضام
وبه استضاء المُدلِجون وأمّلوا
في صبحه الوهّاج
حتفاً للظلام
***
یا صفوة الأبدال
عشتَ ترفّعاً
عن زخرف الدنیا
وعن سخف المقام
الخیر مأمول
لديك مناله
والشر زاوٍ
والندی کالغيث هام
قد کنت کالعطلاء
عن دنیا الوری
تزري بمن ولهوا إلیها باقتحام
بل فيك من جَنَفٍ
إلی أضدادها
ما یبهر الألباب
ذکری للأنام
عیناك عنها
مثل عین أبي تراب
صدّتا، وعُراك عنها
في انفصام
لم تألُها کرّ الزمان کُشاحة
لم تُلف عندك غیر بغض وانتقام
لما غفا المفتون
في أحضانها
وأتی إلیها
من حلال أو حرام
جافَيْتَها
کلَّ الجفاء
وسِمْتَها خَسفاً
وباءت منک
بالزهد المدام
شبَّهتَها
تشبیه حیدرة لها
(هي عظم خنزیر
لدی أهل الجذام)
***
أوْلاك لقمان الحکیم نباهة
وحباك أیوب التصبُّرَ
في الجسام
واسیتَ یعقوب الحزین بشجوه
تبیضّ منه العین
بالدمع السِجام
وتنوح کالورقاء
لکن للهدی المرکوب
تسجع مثل ترجیع الحَمام
أصفاك محتدك العظیم شمائلاً
بانت علی صدر العلی
أسمی وسام
وورثت من طه دماً
حمرُ الکرات به الجهادُ
وبیضها شیم الکرام
ونهلت من نبع الوصي شهامة
قد زیّنَتْها
حکمة الفذّ الهمام
***
وأخذت من سبط الرسول
المجتبی صبراً
تحدّ به سنان الاعتِرام
ومن الحسین
أفدتَ روح شرارة
أضمرتها
لتفجّر العرش الحرام
ونجیع مهجة ثائر
تمحو به
ضمأ الهواجر
والشقاوة والسَقام
ومن البتولة
نلتَ جمر ظلامة
کبری وقلباً واجداً
فیه اضطرام
وحباك سجّاد العباد
خشوعه
وسجوده
ودعاءه
دأب النَهام
والباقر المیمون
أعقبك العلوم
کذاك صادقها
الذي بَذَّ الأنام
ومن ابن جعفر
قد ورثت قیودَه
والسجنَ والإقصاء
في حُجب الظلام
ومن الرضا
أسنیت إکراه الظروف
أردت فیه الخیر
للدین المضام
ومن الجواد
نهلتَ جوداً
واتقاد معارف
منذ الصبا
کالبحر طام
ومن ابنه الهادي
غنمتَ حصاره
وسنینه الحرّی
تساوي ألف عام
وکذاك من حَسَن الهداة
ولم یَکُن
إلّا احتساباً
فیه تدبیر المرام
ومن الإمام المرتجی
شوق الطلوع
يعب من وهج الفدا
عزم القیام
***
یا لَهْفَ نفسي
کیف یخترم الرجا؟
ویحول دون النبع
مشؤوم الفطام
فرحلتَ
مثل ملاك قدس عارج
في غمرة السُبُحات
في عَبَق السلام
وأفَلْتَ
مثل أفول شمس
غیّبت في أفقها المأنوس
سِحر الابتسام
تلقي علی نهج رسمتَ
تحیةً
ووصیة
فیها تباریح الهیام
***
یا راحلاً
عنّا إلی معشوقه
لیشعّ في الآفاق
کالبدر التمام
فیمَ الرحیل؟
وهذه أرواحنا
مشدودة بخطاك
في هذا الزحام
فِیمَ الرحیل؟
وکلّ آمال الأباة
تعلّقت بِلِواك
یا نِعْمَ الإمام
فیمَ الرحیل؟
ونحن في وسط الخضم
مَن الدلیل لنا
إلی شاطي السلام؟
***
سُقیاً لقبرك
ضمّ طیب فضائل
وحواك عزّاً
لا یضام ولا یرام
وازدان من جرح
تُقَدّسُ لثمَه
الحورُ الحسان
مع الملائکة الکرام
قد فزتَ بالمنشود
في أبهی المنی
بجوار أهل البیت
في أسمی مقام
فعليك
من ربّ السماء
سلامه
ما غنَّت الأطیار
أو سَجَع الحمام
وعليك
منه صلاته
بوصوبها
في هلّة الإشراق
أو جُنح الظلام
***

 

ترانیم العشق

یا صدرُ یا نهج الفداء سلامي   یهدی إليك معطّراً بهیامي
یا صدر یا وَتَر الفؤاد یصوغ من   نبع الحنین سبائك الأنغام
ویرش شلّال الشعور خمائلاً   جنات أنس أزلفت لکرام
ما تشتهي نفسي ولذّة خاطري   فیها وسرّ صبابتي وضرامي
یا صدرُ یا لحنَ الهدیل تحیة   جنات أنس أزلفت لکرام
یا صدر یا سحر الأصیل قد   مشفوعة بالحبّ والإعظام
یا صدر یا سحر الأصیل قد اکتست   منه الربوع غلائل الأحلام
یا صدر یا میس الربیع لشاطئ   سعفاته غنّت مع الأنسام
یا صدر یا ریح الصَبا تُذکي الهوی   في قلب متبول مشوق ضامي
یا صدر یا لطف السماء به استبان۔   ۔ت روعة الإسلام بدر تمام
وأبنتها أطروحةً شهدت لها   بالفضل حتّی لمّة الأوغام
  ***  
یا صدر أسکرتَ القلوب شمائلاً   سکراً حلالاً لیس سکر حرام
یا صدر یا همس الندی في بهجة   السحر المهیب لخاشع محتام
یا صدر یا نجوی حراء وروحه   یحیي النفوس یقودها بزمام
یا صدر طَیبة قد تجدّد صوتها   في صوتك العُلوي ذي الإلهام
یا صدر علمك قد تجسّد روضة   عبقاتها سحرت نهی الأفهام
في صبرك الصخري هاج تشوّقي   ولعزمك العملاق هَبَّ غرامي
یا أسوة الأبرار أمرك قد عَنَت   شُمُّ القلوب له بفرط هیام
کالصبح یسفر ضاحکاً بسنائه   یجلو سجوف الهمّ والآلام
ویحطّ عنّي إصر أوهامي وأغـ   لال الهبوط ونزوة الأیّام
ویفیض إلهام السموّ وحکمة الـ   تدبیر في عدل من الأحکام
  ***  
لله مدرسة تربّع عرشها   الصدر بارئها فأيّ عصامي
في عالم التخطیط أبدع منهجاً   وتْر الشمائل محکم الإبرام
فَذّ الفنون ظریفها حلو المخا   ئل عذبها قد حاز خیرَ وسام
ما أروع الإبداع في نفحاته   نبضاته النشوی کؤوس مدام
ولأکرم الأفهام صاغ عرائساً   فکرائم الإبداع کفؤ کرام
تعطي الحقیقة حظّها من کشفها   تجلو به عنها أذی الأوهام
وفرائد التبیین فتْح بصیرة   لتکون للمفهوم خیر قوام
یمنحن إعجاز الهدی ما یشتهي   من صنعهن الفذّ ذي الإحکام
تسري بآفاق الحلوم لعال   أسمی ینادیها ادخلي بسلام
  ***  
یا صدر یا أبهی الرؤی في خاطري   وأرقّ لحن بَذَّ في أنغامي
سبحان ربّ العرش أيّ مشاعر   أَولاك ربّ الفضل والإنعام
منها یضوع الطهر مسك تنزّهٍ   وتفوح رقّتها شَمیم غرام
حاکت حمام الدوح في عشق وفي   سجع وفي آهٍ وفي تهام
تسمو بنفسي للذری في روضة الـ   أنوار والتقدیس والإلهام
وتذیبني في مصهر الأشواق ثـ   مّ تصبّني في قالب الأحلام
وتعدیني في لجّة الأسرار بل   في عالم الذرّ المهیب السامي
في عالم المیثاق یوم شهدت للـ   رحمن ذي الإجلال والإکرام
نادیته من فطرتي یا خالقي   آمنت بالتوحید والإسلام
  ***  
یا صدر قد قدتَ المسیرة رائداً   ومضحّیاً فحفظتَ عقد ذمام
أدّیت للرحمن حقّ عبادة   ولّیتَ وجهك شطره بأوام
ومشیتَ في نهج التبتّل هائماً   وتری لهیب الوجد خیر مرام
مجد الخلوص وسام عمرك زاهیاً   والنفس لم تخدع بنفث رَغام
ومهابة المعبود فيك توحّدت   فالقلب عندك دائب الإحرام
کم حسرة جمریة سامرتها   سمر المتیّم لجّ في التهیام
کم لسعة من إفعوان حسادة   قاسیتها من عصبة الأرحام
کم طعنة أخفیتها کي لا تری   سوء الحبیب وبهجة الأقزام
وبکیت في صمت وخفیة حاذر   تطوي علی ألمٍ کحزّ حسام
وجزیتهم بالعفو دفعاً بالتي   تمنی لمحتد سادة وکرام
کم لیلة رابطتَ فیها رامقاً   رهن الخشوع وأقدس الأنسام
کم دمعة أجریتها مشبوبة   لله للضعفاء للإسلام
منها توضّأت الملائکة الکرا   م لعشقها محبورة بوسام
صَلَّتْ بها لله أشرف فرضها   نالت بذاك الفرض خیر مقام
  ***  
یا صدر قلب المجد ضمّك فانتشی   وهوی الخلود للثمة الإعظام
نقّیت عشق الله في نار الأذی   کالتبر لا یصفو بغیر ضرام
وأذبت روحك في هواه فأوترت   ما أشفعت یوماً من الأیّام
ما زلت تنشده وکنت تراه في   لجّ العناء وغصّة الآلام
فوطأت أثباج المنایا طالباً   ذوب الوصال وذروة الأحلام
أسمی السرائر في فؤادك زیّنت   تاج القداسة في سناً وسلام
وملائك الإشواق في ثوب الصفا   ما بین حِجر شامخ ومقام
طافت طواف العاشقین بکعبة   هي قلب عرفان وروح غرام
عند الحطیم غدت تمدّ نواظراً   نحو الحبیب بلهفة وأوام
تصبو إلی لذّاتها في نوره   تستاف عطر القرب في الأنسام
وتری بعین القلب کنه عشیقها   سرّاً یذیب بسطوة الإبهام
فتفجّرت في صعقة طوریة   من شاطئ العرفان والإقدام
عرجتَ شموخاً بالجلال وعزّة   قعساء فوق الفهم والإلمام

 

ضلامة فوق الخیال

فوق الخیال ظلامتي وشجوني   وجفاء حسّادي کوقع منون
قد سعّروا أضغانهم قبل العدی   وبأسوء الألقاب هم نبزوني
نثروا علی دربي عثار کراهة   مذ خذّلوا عنّي بما وصموني
في الحق من شحنائهم نکْر الشجا   ولها یؤرّقني قذی بعیوني
ترکوا قبائحهم مَهُولاً نتْنها   وعَدَوا علی طیبي بکلّ نتین
  ***  
لم ترضهم تلك الملایین التي   ضمئت لرشد فارتوتْ بمَعِیني
وبه شفت مرّ الغلیل وأدرکت   فضل الهدی والعالم المأمون
هبّتْ بنفخ الصور أفواجاً إلی   حشر النداء الحقّ والتبیین
لم یرضهم أنّ الضلال تقشّعت   ظلماته بضیائي المیمون
لم یرضهم فتح الفتوح بصحوة   عادت بها أمجاد هذا الدین
لم ترضهم تلك المشارع أشرعت   غوث الهواجر بعد جدب قرون
  ***  
لم یرضهم أنّ الفضیلة شعشعت   في تیهِ إغواءٍ ولیل مُجون
لم ترضهم للمرجعیة طلعة   کالشمس بعد أفولها المحزون
وعلوّ منزلة لأکرم حوزة   باءت بخسف الظالم الملعون
لم یرضهم أسری المتاهة أرقلوا   نحوي وکل مضلّل مفتون
نهجي لهم وهب الحیاة کأنّه   روح سرت في رمّةٍ لدفین
  ***  
لم ترضهم فتواي ضدّ عصابة   شبّ النفاق بقلبها المأفون
غیري تأبّی أن یؤدي فرضه   فیها ولاذ بنجوة وسکون
وجعلتُ روحي في رمایا شرّها   فوظیفتي هي بالردی تغریني
لم یرضهم أنّي وهبتُ العمر طُرّاً للـ   رسالة فهْي کلّ شؤوني
ونذرتُ قلبي للإله محرّراً   وحلفت بالتهیام وهو ضمیني
وشریتُ روحي بالوفاء ومهجتي   وبذلت جهدي کي تبرّ یمیني
  ***  
ولقد صنعت لهم بنور بصیرتي   أمراً تمنّع فهْو جِدّ حَرون
الخافقان تغنّیا بطلوعه   وشَدَت له البشری بفذّ لحون
والربع أمرعَ بالربیع جدیبه   وتکحّلت بالأنس رُمْصُ جفون
عجزت دهور أن یَلِدْن کمثله   أعیی سواي وضنّ بالتمکین
  ***  
قد سرّهم أنّي أکابد بین حدّي   مرهف ممّا به بَهَتوني
الردّ یبهظني وصمتي قاتلٌ   وعلی کلا الحالین عصف شجوني
لم ترضهم تلك المواقف کلّها   ما بین فکَّي جائرٍ مجنون
حادوا فسمّوها فعال ضلالة   بغیاً وعدْواً للجوی المکنون
  ***  
ما بین أنیاب المنایا ثورتي   ونداء نحري راح یستهویني
عیني إلی قبري وروحي شفّها   جمر الهوی یذکیه فرط حنیني
وهمُ علی نغم النعیم تربّصوا   بي کلّ دائرة وریب منون
کم روّعوني في تباریح الخنا   ترویع محصنة بقذف لَعِین
صالوا عليّ وهم دمي بلواذع   فاقت وربي شفرة السکّین
  ***  
ولقد رثیتُ لهم رثاء حقیقة   لسرابهم وأفضت ماء شؤوني
نادیت من ألمٍ ولوعة واجدٍ   یا لهف نفسي للألی سلقوني
أرنو إلیهم من ذُری مجدي   جوار أحبّتي إذ کلّ عالٍ دوني
وأقول یا أسفی رضیتم للعمی   بدل المعالي بالدنی والدون
إنّي لیعروني أسیً لاذاکمُ   منّي بلا تِرَةً لکم ودیون
حسداً أراه طواکمُ بیمینه   لمآثر آلتْ بکم لجنون
  ***  
جدّدتُ نوحاً في سفینته علی   لجج الخضم برکبها المیمون
بشموخ وثبتي الجَسور عبرتُ   موجاً کالجبال وخضتُ بحر فتون
ینجو بها من شِرّة الطوفان مَن   طلبوا النجاة بفلکي المشحون
  ***  
جدّدتُ إبراهیم في توحیده   أظهرت للإصلاح جَمَّ فنون
ما هِبتُ نمرود الضلال وناره   وحملت عبء الأمر فوق متوني
وصرخت في الأرجاء لا لسوی الهدی   وعلمت أنّ الغبّ قطع وتیني
  ***  
وأعَدتُ موسی في أمور جمّةٍ   وفلقت یَمَّ مسیرتي بیقیني
وعصاه عندي همّة جبّارة   تهتزّ هولاً مارداً بیمیني
نابذتُ فرعون العمی طوّقته   في یوم زینته بذلّ رهون
وأبنتُ أمري للأنام وأمره   فبدا المؤثّل زاریاً بهجین
  ***  
وأعدتُ عیسی في حضارة روحه   وشموخ قلب في الغرام مَکِین
ونشرت للأخلاق ظلّاً وارفاً   فاستروح العانون تحت غصوني
ولعنتُ أحبار اللذائذ والونی   فإذا [الفریسون] قد جَبَهوني
صاحوا هو الضلّیل یغوي قومنا   واستنفروا الغاوین کي یردوني
  ***  
ومشیتُ دربَ المصطفی بعثاره   وشجونه والنائبات قریني
ودعوتُ أمّته لأوبة حازم   ومعاذ صدق بالرشاد رکین
فإذا الأکابر یزعقون وزمرة   السفهاء تحصبني ولا تألوني
  ***  
جاروا عليّ لکي یمیلوا قائمي   وأصیر بعد التمّ کالعرجون
شابت بهم للهاجرات مفارقي   واعْتلّ صبحي منهم بدُجون
قعدوا المراصد کي یصیبوا غِرّة   نصبوا بطبع الخَتْل کلّ کمین
محضوا خطاي المزعجات فلم تکن   ما بین سهل مَسمَح وحُزون
ومحضتهم حبّاً وطیب مودّة   وجعلت دأْب النصح خیر خدین
جازَوا سماحي کَدْیَهم وجفاءهم   وهَمی شَباهم کالسحاب الجُون
وبقیت مهتاجاً بهم متوفّزاً   قلِقاً علی سوء المقال وضیني
  ***  
هذا جزائي بعد صدق مواقفي   في مقعد الصدق الذي یرضیني
وکرامة الدارین خیر کرامةٍ   وعطاء ربّي لیس بالممنون
في جنّة خضراء یعبق روضها   ببهاء رضوانٍ عليّ هَتون
من تحتها الأنهار تجري والعیو   ن فأيّ أنهار وأيّ عیون
غرف علیها مثلها مبنیّةٌ   في دار أمنٍ أزلفت لأمین
عرض السموات العُلی والأر   ض أنّی أشتهي في بهجة التمکین
وقطوفها قد ذلّلت وشرابها   من غير غَولٍ منزفٍ ومشين
والقاصرات     الطرف     فيها        والمنی   ومن    المزید      ملیکها        یَحْبوني
وخیامها من عَسْجد نُصبتْ علی   خضر الضفاف لعرس حورٍ عِین
ما بین ولدان تطوف کلؤلؤٍ   بشمائلٍ تعيي حصاة فَطین
وجمال أزواج مطهّرةٍ لهـ   نّ خصائص الأعجاز في التکوین
وکؤوس أنس تلتظي صهباؤها   وجلال أنغام وسحر عیون
في عالمٍ متفرّدٍ بشؤنه   لا شيء یشبه شيئاً یوم الدین