أقسی فترة في حیاة الأئمة علیهم‌السلام

هذه الساعة نعيشها في ظلال الإمام زين العابدين (عليه‌السلام)، آخرِ أئمّة المرحلة الاولى من المراحل الثلاث التي أشرنا إليها في حياة الأئمّة (عليهم‌السلام)، نعيشها في ظلال هذا الإمام الممتحن الذي عانى أقسى فترةٍ من الفترات التي مرّت على قادة أهل البيت (عليهم‌السلام)؛ لأنّه عاصر بداية قمّة الانحراف.

هذا الانحراف الذي بدأ عقيب وفاة رسول الله (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) مباشرةً- وقد تحدّثنا عنه في الأيّام السابقة- بدأ يتكشّف بشكلٍ صريحٍ واضحٍ سافر، لا على مستوى المضمون فحسب، بل على مستوى الشعارات، وعلى مستوى الكلمات المطروحة من قبل الحكّام في العمل والتنفيذ، فكان الحكم نظريّاً وعمليّاً قد بدأت تتكشّف حقيقته.

الإمام السجّاد (عليه‌السلام) ولد قبل وفاة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بثلاث سنين، يعني: ولد وأميرُ المؤمنين في خطّ الجهاد في حرب الجمل، أو على أبواب خطّ الجهاد في حرب الجمل. وعاش طفولته مع أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في محنته، ثمّ عاش مع عمّه الحسن (عليه‌السلام) في محنته، ثمّ عاش مع أبيه الحسين (عليه‌السلام) في محنته، ثمّ استقلّ بالمحنة، حتّى رأى جيوش الخطّ المنحرف تدخل إلى مسجد رسول‏ الله (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) فتربط خيلها باسطوانات المسجد.

هو يحدّث (عليه‌السلام) بأنّه كان يدخل إلى مسجد النبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله)، هذا المسجد الذي كان من المفروض أن يكون منطلقاً للرسالة في أفكارها ومفاهيمها ونورها إلى العالم كلّه، هذا المسجد قاسى على عهد الإمام زين العابدين (عليه‌السلام) هذا المستوى من الذلّ والهوان، وجيش الانحراف- جيش بني اميّة- يأتي إلى المدينة ويعلن إباحتها، يهتك كلَّ حرمات النبي (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) في المدينة، ويدخل إلى مسجد النبي (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) ويربط خيله باسطوانات المسجد.

الإمام السجّاد (عليه‌السلام) عاش هذه المحنة، [من‏] محنة الجمل إلى حين دخول جيوش الانحراف إلى المسجد واستهتارها بحرمات النبيّ (صلّى‌الله‌عليه‌وآله) على هذا المستوى.

يمكن أن نعتبر أنّ الفترة التي عاشها الإمام السجّاد (عليه‌السلام) هي أقسى فترةٍ مرّت على إمام؛ لأنّها بدايةُ تكشّفِ قمّة الانحراف.

صحيحٌ أنّ هذه القمّة لم تنحسر بعده وإنّما بقيت، ولكنّ البداية كانت على عهده، هو عاصر البداية، وبهذا كنّا نعتبر الإمام السجّاد (عليه‌السلام) ممتحناً أكثر من سائر الأئمّة (عليهم‌السلام).

أئمة أهل البيت (علیهم‌السلام) ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية، ص ٣٣٧.