أقدم، سوف نسلّم لك الحسن يداً بيد

عاش جيش الإمام الحسن في مسكن وهو يفقد بالتدريج القوى المقاتلة، حتّى بلغ عدد الهاربين من جيش الإمام الحسن في مسكن ثمانية آلاف من اثني عشر ألفاً، والإمام الحسن كان وقتئذٍ في المدائن، وتصل إليه الأخبار، وتنعكس هذه الأخبار على جيشه في المدائن أنّه فرّ اليوم مئة، فرّ خمسمائة، فرّ ألف، فرّ ألفان، فرّ ثلاثة آلاف، إلى أن وصل الفارّون إلى ثمانية آلاف.

معاوية بن أبي سفيان أرسل في هذه اللحظات الحرجة العصيبة ثلاثةً من أصحابه- أحدهم المغيرة بن شعبة – أرسلهم إلى الإمام الحسن (عليه‌السلام) برسالة. ماذا كان في هذه الرسالة؟

كان في هذه الرسالة مجموع الكتب التي وصلت إلى معاوية‌بن‏أبي‏سفيان من أصحاب الإمام الحسن في الكوفة، هذه الكتب تقول لمعاوية: «أقدم، فلك السمع والطاعة، وسوف نسلّم لك الحسن يداً بيد».

هذه الكتب أرسلها معاوية إلى الإمام الحسن ليقرأها بنفسه، محاولًا بذلك أن يكسر من تصميم الإمام الحسن على مواصلة الخطّ ومواصلة الجهاد والمعركة.

دخل هؤلاء الثلاثة على الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) بعد أن حاولوا أن يستقطبوا أنظار الجيش. وبطبيعة الحال هناك وفدٌ مفاوضٌ من [قِبَل‏] معاوية يأتي إلى الحسن، بطبيعة الحال سوف ينعكس هذا الوفد، وسوف تشخص الأبصار إلى نتائج مباحثات هذا الوفد مع الإمام الحسن. يدخلون على الإمام الحسن، يعرضون عليه الكتب، كتب الخونة من أصحابه.

الإمام الحسن بعد أن ينهي قراءته لهذه الكتب لا يعطي أيّ كلمة فاصلة في الموضوع، وإنّما يتّجه إلى هؤلاء الثلاثة فيعظهم ثمّ يسكت. وإنّما يسكت لأنّه يحاول أن يقوم بآخر تجربة مع قاعدته الشعبيّة، ليرى أنّه: هل بقي في هذه القاعدة الشعبيّة أيُّ قدرة على مواصلة المعركة مهما كلّف الثمن؟

يخرج هؤلاء من عند الإمام الحسن، فيحاولون أن يكذبوا على الإمام الحسن، فنشروا في الجيش وهم يصرخون‏ أنّ الله قد فرّج عن هذه الامّة، وقد حقنت الدماء بابن رسول الله؛ حيث إنّ ابن رسول الله استجاب للصلح.

بطبيعة الحال كان لهذا الإنشاء- هذا الإخبار الكاذب، الذي كان إنشاءً- مفعولٌ كبيرٌ جدّاً في التخدير، وفي إضعاف العزائم والهمم، وفي توسيع نطاق الشكّ الذي تكلّمنا عنه.

بعد هذا يخرج الإمام الحسن (عليه‌الصلاة‌والسلام)، يقف خطيباً، يقول بأنّ معاوية دعانا إلى ما لا يكون فيه خيرنا ولا خيركم، فماذا أنتم فاعلون؟

وكأنّهم كلّهم يعرفون أنّ هذا الشي‏ء ليس فيه خيره ولا خير الناس‏، فصاحوا بصوتٍ واحد: «الصلح! الصلح!».

كانت هذه اللحظة هي اللحظة التي أحسّ فيها الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) بأنّ بقاء التجربة الإسلاميّة الصحيحة العلويّة أصبح شيئاً متعذّراً غير ممكن، وأنّ انحساره عن الميدان أصبح شيئاً ضروريّاً لأجل الإسلام نفسه؛ وذلك لأنّ هذه التجربة لا يمكن أن تعيش مع هذا الشكّ، فلا بدّ وأن يُقضى على هذا الشكّ ثمّ تُستأنف التجربة. ولم يكن بالإمكان أن يُقضى على هذا الشكّ المرير المستعصي إلّا بأن ينحسر عليٌّ عن المعركة، و [ينحسر] خطُّ عليٍّ عن المعركة، ثمّ تنكشف اطروحة معاوية وأهداف معاوية.

قراءة عن هذا الشك وتفسير جامع وبديع لموقف الإمام الحسن علیه‌السلام في: أئمة أهل البيت (علیهم‌السلام) ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية، قسم الإمام الحسن علیه‌السلام.