من كتابه «السرائر» عدداً من المرجّحات لإحدى البيّنتين على الاخرى، ثمّ يعقِّب ذلك قائلًا: «ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا»[1].
وهكذا تدلّ هذه النصوص بتعاقبها التأريخيّ المتتابع على أنّ كلمة «الاجتهاد» كانت تعبيراً عن ذلك المبدأ الفقهيّ المتقدّم إلى أوائل القرن السابع، وعلى هذا الأساس اكتسبت الكلمة لوناً مقيتاً وطابعاً من الكراهية والاشمئزاز في الذهنية الفقهية الإمامية؛ نتيجةً لمعارضة ذلك المبدأ، والإيمان ببطلانه.
ولكنّ كلمة «الاجتهاد» تطوّرت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا، ولا يوجد لدينا الآن نصّ شيعيّ يعكس هذا التطوّر أقدم تأريخاً من كتاب المعارج للمحقّق الحلّي المتوفّى سنة (676 ه)، إذ كتب المحقّق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول:
«وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلّة الشرع اجتهاداً؛ لأنّها تبتني على اعتباراتٍ نظريةٍ ليست مستفادةً من ظواهر النصوص في الأكثر، سواء كان ذلك الدليل قياساً أو غيره، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد.
فإن قيل: يلزم على هذا أن يكون الإمامية من أهل الاجتهاد.
قلنا: الأمر كذلك، لكن فيه إيهام من حيث إنّ القياس من جملة الاجتهاد، فإذا استثني القياس كنّا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس»[2].
ويلاحظ على هذا النصّ بوضوحٍ: أنّ كلمة «الاجتهاد» كانت لا تزال في الذهنيّة الإماميّة مثقلةً بتَبِعة المصطلح الأوّل، ولهذا يلمح النصّ إلى أنّ هناك من
[1] السرائر 2: 170
[2] معارج الاصول: 179 و 180