وصلّى ذاهلًا، وبعد الصلاة التفت وشكّ في أ نّه هل كان لا يزال محدثاً حين صلّى، أوْ لا؟ فقد يقال بأنّ استصحاب الحدث لم يكن جارياً حين الصلاة؛ لأنّ الشكّ لم يكن فعليّاً بل تقديريّاً، فالصلاة لم تقترن بقاعدةٍ شرعيّةٍ تحكم ببطلانها، فبإمكان المكلّف حينئذٍ أن يرجع عند التفاته بعد الفراغ من الصلاة إلى قاعدة الفراغ، فيحكم بصحّة الصلاة.
فإن قيل: هَبْ أنْ الاستصحاب لم يكن جارياً حين الصلاة، ولكن لماذا لا يجري الآن مع أنّ الشكّ فعليّ، وباستصحاب الحدث فعلًا يثبت أنّ صلاته التي فرغ منها باطلة؟
قلنا: إنّ هذا الاستصحاب ظرف جريانه هو نفس ظرف جريان قاعدة الفراغ، وكلّما اتّحد ظرف جريان الاستصحاب والقاعدة تقدّمت قاعدة الفراغ، خلافاً لِمَا إذا كان ظرف جريان الاستصحاب أثناء الصلاة فإنّه حينئذٍ لا يدع مجالًا لرجوع المكلّف بعد الفراغ من صلاته إلى قاعدة الفراغ؛ لأنّ موضوعها صلاة لم يحكم ببطلانها في ظرف الإتيان بها.
ولكنّ الصحيح: أنّ قاعدة الفراغ لا تجري بالنسبة إلى الصلاة المفروضة في هذا المثال على أيّ حال؛ حتّى لو لم يجر استصحاب الحدث في أثنائها؛ وذلك لأنّ قاعدة الفراغ لا تجري عند إحراز وقوع الفعل المشكوك الصحّة مع الغفلة، ففي المثال المذكور لا يمكن تصحيح الصلاة بحال.
أمّا الركن الثالث- وهو وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة- فيستفاد من ظهور الدليل في أنّ الشكّ الذي يمثّل الركن الثاني يتعلّق بعين ما تعلّق به اليقين الذي يُمثّل الركن الأوّل، إذ لو تغاير متعلّق الشكّ مع متعلّق اليقين فلن يكون العمل بالشكّ نقضاً لليقين، وإنّما يكون نقضاً له في حالة وحدة المتعلّق لهما معاً، والمقصود بالوحدة، الوحدة الذاتيّة لا الزمانيّة، فلا ينافيها أن يكون اليقين متعلّقا