فكأنّه قيل: إنّ ما كان متّفقاً على غيّه ورشده وبيّناً في نفسه عُومِل على أساس ذلك، وما كان مختلفاً فيه فلابدّ من الرجوع فيه إلى الكتاب والسنّة، ولا يجوز التخرّص فيه والرجم بالغيب، وبهذا يكون مفاد الرواية أجنبيّاً عمّا هو المقصود في المقام.
وثانياً: لو سُلّم أنّ المراد بالأمر بالردّ إلى اللَّه الأمر بالاحتياط فنحن ننكر أن تكون الشبهة الحكميّة بعد قيام الدليل الشرعيّ على البراءة من القسم الثالث، بل الإقدام فيها بيّن الرشد؛ لقيام الدليل القطعيّ على إذن الشارع في ذلك.
وعلى العموم فالظاهر عدم تماميّة سائرالروايات التي يستدلّ بها على وجوب الاحتياط، وعليه فدليل البراءة سليم عن المعارض.
ولو سلّمنا المعارضة كان الرجحان في جانب البراءة، لا وجوب الاحتياط؛ وذلك لوجوه:
منها: أنّ دليل البراءة قرآنيّ، ودليل وجوب الاحتياط من أخبار الآحاد، وكلّما تعارض هذان القسمان قُدّم الدليل القرآنيّ القطعيّ ولم يكن خبر الواحد حجّةً في مقابله.]
ومنها: أنّ دليل البراءة لا يشمل حالات العلم الإجماليّ، كما سيأتي، ودليل وجوب الاحتياط شامل لذلك، فيكون دليل البراءة أخصّ فيخصّصه.
ومنها: أنّ دليل وجوب الاحتياط أخصّ من دليل الاستصحاب القاضي باستصحاب عدم التكليف، فإن افترضنا أنّ دليل الاحتياط ودليل البراءة متكافئان وتساقطا رجعنا إلى دليل الاستصحاب، إذ كلّما وجد عامٌّ (كدليل الاستصحاب) ومخصّص (كدليل الاحتياط) ومعارض للمخصّص (كدليل البراءة) سقط المخصّص مع معارضه ورجعنا إلى العامّ.