غير ذلك من القضايا بقيت كأجزاءٍ من أبحاث تلك العناوين التأريخية، بينما كلّ واحدةٍ منها تشكِّل بحثاً اصولياً مهمّاً من الناحية الفنية، ومن ناحية ترتّب الثمرة الاصولية، ولا تقلّ أهمّيةً عن تلك المسائل التأريخية الموروثة، بل قد تكون أهمَّ منها.
فالاصوليّون- مثلًا- حاروا في كيفيّة تصوير الثمرة لبحث الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، مع أنّهم لم يتوصّلوا إلى أفكارهم عن الواجب المعلّق أو الشرط المتأخّر ونحوهما إلّالتحقيق ثمراتٍ عمليةٍ واضحة، ومع هذا حشروا كلّ هذه الأفكار ضمن تلك المسألة التي لا يعرفون كيف يوضّحون ثمرتها العملية، وضاعت بذلك على الطالب قيمة تلك الأفكار ومغزاها العملي، حتَّى أنّ كثيراً من الطلبة يرون أنّ التوسّع في داخل المسألة التي ليس من الواضح أنّ لها ثمرةً عمليةً مجرّد تطويلٍ وتوسيعٍ لعملية لغو لا مبرّر له، بل إنّ هذا الحشر في كثيرٍ من الأحيان يؤدّي إلى إيحاءاتٍ خاطئة.
فمثلًا: مشكلةالمقدمات المفوّتة ووجوب تحصيلها حشرت في سياق الوجوب الغيري، وفرّعت على تبعية الوجوب الغيريّ للوجوب النفسيّ في الإطلاق والاشتراط، وهذا يوحي بالارتباط، مع أنّ مشكلة المقدمات المفوّتة مشكلة قائمة تحتاج إلى تفسير واكتشاف قانونها الاصولي، سواء قلنا بالوجوب الغيريّ، أوْ لا، فهي ترتبط بالمسؤولية المولوية تجاه المقدمة، وهي مسؤولية لا شكّ فيها، ولا شكّ في تبعيتها لفعلية الوجوب النفسي، سواء كانت هذه المسؤولية عقليةً بحتةً ومن تبعات محرّكية الوجوب النفسي، أو كانت مشتملةً على ما يسمّى بالوجوب الغيري.
هذه هي أهمّ المبرِّرات التي تدعو إلى التفكير بصورةٍ جادّةٍ في استبدال الكتب الدراسية القائمة، والاعتقاد بعدم صلاحيتها في مجال التدريس على الرغم من قدسيتها العلمية والتأريخية.