ومن هنا لم يراعَ فيها ما يجب أن يراعى في الكتب الدراسية من توفير فهمٍ مسبقٍ عند الطالب للمسائل والقواعد التي يستعان بها لإثبات المدّعى في مسألة اخرى والبرهنة عليها، أو لاقتناص الثمرة الاصولية لها. فالإطلاق ومقدمات الحكمة تدخل كدليلٍ لإثبات دلالة الأمر على الوجوب، ولإثبات دلالته على العينية والتعيينية والنفسية، ولإثبات دلالة الجملة الشرطية وغيرها على المفهوم، وهكذا، مع أنّ الطالب في الكتب القائمة لا يُعطى فكرة عن الإطلاق ومقدمات الحكمة إلّابعد الفراغ عن جميع مباحث الأوامر والنواهي والمفاهيم. وأحكام التعارض- بما فيها قواعد الجمع العرفي- قد تدخل في علاج كثيرٍ من ألوان التعارض بين الأدلّة اللفظية المستدلِّ بها على حجّية أمارةٍ أو أصلٍ من الاصول، فيقال مثلًا: «إنّ دليل وجوب الاحتياط حاكم على دليل البراءة، أو وارد، أو إنّ دليل البراءة مخصّص» قبل إعطاء تصوراتٍ وأفكارٍ محدّدةٍ عن أحكام التعارض وقواعد الجمع بين الأدلّة التي لا تقع إلّافي نهاية أبحاث الاصول. ومسألة اقتضاء النهي للبطلان تدخل عندهم في اقتناص الثمرة من بحث الضدّ، إذ جعلوا ثمرة اقتضاء الأمر بشيءٍ للنهي عن ضدّه بطلان العبادة، وفي اقتناص الثمرة من بحث امتناع اجتماع الأمر والنهي، إذ جعلوا ثمرة هذا البحث بطلان العبادة بناءً على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي، مع أنّ الطالب لا يدرس مسألة اقتضاء النهي للبطلان، ولا يأخذ عنها تصوّراً علمياً إلّابعد الفراغ عن مسألتي الضدّ والامتناع، وهكذا إلى كثيرٍ من هذه النظائر.
ومن هنا لم يحرص أيضاً على إبراز الثمرة لكثيرٍ من المطالب، التي يتبيّن من خلالها الارتباط بين تلك المطالب بعضها ببعض، فاهملت في كثيرٍ من الأحيان أوجه العلاقة بين الأفكار الاصولية، ولم يتعرّض لها إلّابقدر ما يحتاج اليه في مقام الاستدلال على مطلبٍ أو إبطاله، فبُحث- مثلًا- المعنى الحرفيّ وجزئيّته وكلّيته،