والملاحظة من عدم وجود أيّة دلالةٍ لِلَّفظ لدى الإنسان قبل الاكتساب والتعلّم.
الثاني: افتراض أنّ السببيّة المذكورة نشأت من وضع الواضع اللفظَ للمعنى، والوضع نوع اعتبارٍ يجعله الواضع وإن اختلف المحقّقون في نوعيّة المعتبَر[1]، فهناك من قال: إنّه «اعتبار سببيّة اللفظ لتصوّر المعنى». ومن قال: إنّه «اعتبار كون اللفظ أداةً لتفهيم المعنى». ومن قال: إنّه «اعتبار كون اللفظ على المعنى، كما توضع الأعمدة على رؤوس الفراسخ».
ويرد على هذا المسلك بكلّ محتملاته: أنّ سببيّة اللفظ لتصوّر المعنى سببيّة واقعيّة بعد الوضع، ومجرّد اعتبار كون شيءٍ سبباً لشيءٍ أو اعتبار ما يقارب هذا المعنى لا يحقِّق السببيّة واقعاً، فلا بدّ لأصحاب مسلك الاعتبار في الوضع أن يفسِّروا كيفيّة نشوء السببيّة الواقعيّة من الاعتبار المذكور، وقد يكون عجز هذا المسلك عن تفسير ذلك أدّى بآخرينَ إلى اختيار الاحتمال الثالث الآتي:
الثالث: أنّ دلالة اللفظ تنشأ من الوضع، والوضع ليس اعتباراً، بل هو تعهّد من الواضع بأن لا يأتي باللفظ إلّاعند قصد تفهيم المعنى، وبذلك تنشأ ملازمة بين الإتيان باللفظ وقصد تفهيم المعنى[2]، ولازم ذلك أن يكون الوضع هو السبب في الدلالة التصديقيّة المستبطنة ضمناً للدلالة التصوّريّة، بينما على مسلك الاعتبار لا يكون الوضع سبباً إلّاللدلالة التصوّريّة، وهذا فرق مهمّ بين المسلكين.
وهناك فرق آخر، وهو: أ نّه بناءً على التعهّد يجب افتراض كلّ متكلّمٍ متعهّداً وواضعاً لكي تتمّ الملازمة في كلامه، وأمّا بناءً على مسلك الاعتبار فيفترض أنّ الوضع إذا صدر في البداية من المؤسِّس أوجب دلالةً تصوّريّةً عامّةً لكلّ من علم به، بدون حاجةٍ إلى تكرار عمليّة الوضع من الجميع.
[1] راجع نهاية الدراية 1: 47 وأجود التقريرات 1: 11
[2] تشريح الاصول: 25، والمحاضرات 1: 45