بهما مع إنكار الخصوصيّة الثالثة تناقضاً منطقيّاً، فلا بدّ إذن من استئناف نظرٍ خاصٍّ في الخصوصيّة الثالثة.
وفي هذا المجال يقال عادةً: إنّ الحجّيّة لازم ذاتيّ للقطع، كما أنّ الحرارة لازم ذاتيّ للنار، فالقطع بذاته يستلزم الحجّيّة والمنجّزيّة، ولأجل ذلك لا يمكن أن تُلغى حجّيّته ومنجّزيّته في حالٍ من الأحوال، حتّى من قبل المولى نفسه؛ لأنّ لازم الشيء لا يمكن أن ينفكّ عنه، وإنّما الممكن للمولى أن يزيل القطع عن القاطع، فيخرجه عن كونه قاطعاً بدلًا عن أن يفكّك بين القطع والحجّيّة.
ويتلخّص هذا الكلام في قضيّتين:
إحداهما: أنّ الحجّيّة والمنجّزيّة ثابتة للقطع؛ لأنّها من لوازمه.
والاخرى: أ نّها يستحيل أن تنفكّ عنه؛ لأنّ اللازم لا ينفكّ عن الملزوم.
أمّا القضيّة الاولى فيمكن أن نتساءل بشأنها: أيّ قطعٍ هذا الذي تكون المنجّزيّة من لوازمه؟ هل هو القطع بتكليف المولى، أو القطع بتكليف أيِّ آمر؟
ومن الواضح أنّ الجواب هو الأوّل؛ لأنّ غير المولى إذا أمر لا يكون تكليفه منجّزاً على المأمور ولو قطع به، فالمنجّزيّة إذن تابعة للقطع بتكليف المولى، فنحن إذن نفترض أوّلًا أنّ الآمر مولى، ثمّ نفترض القطع بصدور التكليف منه، وهنا نتساءل من جديد: ما معنى المولى؟
والجواب: أنّ المولى هو مَن له حقّ الطاعة، أي من يحكم العقل بوجوب امتثاله واستحقاق العقاب على مخالفته، و هذا يعني أنّ الحجّيّة (التي محصّلها- كما تقدم- حكم العقل بوجوب الامتثال واستحقاق العقاب على المخالفة) قد افترضناها مسبقاً بمجرّد افتراض أنّ الآمر مولى، فهي إذن من شؤون كون الآمر مولى، ومستبطنة في نفس افتراض المولويّة، فحينما نقول: إنّ القطع بتكليف المولى حجّة- أي يجب امتثاله عقلًا- كأ نّنا قلنا: إنّ القطع بتكليف مَن يجب امتثاله يجب امتثاله، وهذا تكرار لما هو المفترض، فلا بدّ أن نأخذ نفس حقّ الطاعة والمنجّزيّة المفترضة