وهكذا نعرف أنّ السلوك العامّ مستند إلى بيانٍ شرعيٍّ يدلّ على إمكان إقامة الظهر في يوم الجمعة، وعدم وجوب الخمس في الميراث، وهي في الغالب تؤدِّي إلى الجزم بالبيان الشرعيّ ضمن شروطٍ لا مجال لتفصيلها الآن.
ومتى كانت كذلك فهي حجّة، وأما إذا لم يحصل منها الجزم فلا اعتبار بها؛ لعدم الدليل على الحجّية حينئذٍ.
و هذه الطرق الثلاث كلّها مبنيّة على تراكم الاحتمالات و تجمّع القرائن.
الرابع: خبر الواحد الثقة، ونعبِّر بخبر الواحد عن كلّ خبرٍ لا يفيد العلم، وحكمه: أ نّه إذا كان المخبر ثقةً اخذ به وكان حجّة، وإلّا فلا، وهذه الحجّية ثابتة شرعاً لا عقلًا؛ لأنّها لا تقوم على أساس حصول القطع، بل على أساس أمر الشارع باتّباع خبر الثقة، فقد دلّت أدلّة شرعية عديدة على ذلك، ويأتي بيانها في حلقةٍ مقبلةٍ إن شاء اللَّه تعالى.
و من تلك الأدلّة: آية النبأ، و هي قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا…»[1] الآية، فإنّه يشتمل على جملةٍ شرطية، و هي تدلّ منطوقاً على إناطة وجوب التبيّن بمجيء الفاسق بالنبأ، و تدلّ مفهوماً على نفي وجوب التبيّن في حالة مجيء النبأ من قبل غير الفاسق، وليس ذلك إلّالحجّيته، فيستفاد من الآية الكريمة حجّية خبر العادل الثقة.
ويدلّ على حجّية خبره أيضاً: أنّ سيرة المتشرّعة والعقلاء عموماً على الاتّكال عليه، ونستكشف من انعقاد سيرة المتشرّعة على ذلك واستقرار عمل
[1] الحجرات: 6