القيمة التي يمنحها للاستدلال العلمي.

وهكذا نبرهن على أنّ العلم والإيمان مرتبطان في أساسهما المنطقي الاستقرائي، ولا يمكن- من وجهة النظر المنطقية للاستقراء- الفصل بينهما.

وهذا الارتباط المنطقي بين مناهج الاستدلال العلمي، والمنهج الذي يتّخذه الاستدلال على إثبات الصانع بمظاهر الحكمة، قد يكون هو السبب الذي أدّى بالقرآن الكريم إلى التركيز على هذا الاستدلال من بين ألوان الاستدلال المتنوّعة على إثبات الصانع، تأكيداً للطابع التجريبي والاستقرائي للدليل على إثبات الصانع.

فإنّ القرآن الكريم- بوصفه الصيغة الخاتمة لأديان السماء- قد قدّر له أن يبدأ بممارسة دوره الديني مع تطلّع الإنسان نحو العلم، وأن يتعامل مع البشرية التي أخذت تبني معرفتها على أساس العلم والتجربة، وتحدّد بهذه المعرفة موقفها في كلّ المجالات. فكان من الطبيعي- على هذا الأساس- أن يتّجه القرآن الكريم إلى دليل القصد والحكمة- بوصفه الدليل الذي يمثّل المنهج الحقيقي للاستدلال العلمي، ويقوم على نفس اسسه المنطقية-، ويفضّله على سائر الصيغ الفلسفية للاستدلال على وجود اللَّه تعالى.

هذا إضافة إلى أنّ الدليل التجريبي على وجود اللَّه- الذي يضع هذا الكتاب أساسه المنطقي- أقرب إلى الفهم البشري العامّ، وأقدر على مل‏ء وجدان الإنسان- أيّ إنسان- وعقله بالإيمان من البراهين الفلسفية ذات الصيغ النظرية المجرّدة التي يقتصر معظم تأثيرها على عقول الفلاسفة وأفكارهم.

«سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ»[1].

 

[1] فصّلت: 53