إنّ هذه الدراسة الشاملة التي قمنا بها كشفت عن الاسس المنطقية للاستدلال الاستقرائي، الذي يضمّ كلّ ألوان الاستدلال العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة. واستطاعت أن تقدّم اتجاهاً جديداً في نظرية المعرفة يفسّر الجزء الأكبر منها تفسيراً استقرائياً مرتبطاً بتلك الاسس المنطقية التي كشف عنها البحث.
وتبرهن هذه الدراسة في نفس الوقت، على حقيقة في غاية الأهمية من الناحية العقائدية. وهي الهدف الحقيقي الذي توخّينا تحقيقه عن طريق تلك الدراسة.
وهذه الحقيقة هي أنّ الاسس المنطقية التي تقوم عليها كلّ الاستدلالات العلمية المستمدّة من الملاحظة والتجربة، هي نفس الاسس المنطقية التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المدبّر لهذا العالم، عن طريق ما يتّصف به العالم من مظاهر الحكمة والتدبير، فإنّ هذا الاستدلال- كأيّ استدلال علمي آخر- استقرائي بطبيعته، وتطبيق للطريقة العامّة التي حدّدناها للدليل الاستقرائي في كلتا مرحلتيه.
فالإنسان بين أمرين: فهو إمّا أن يرفض الاستدلال العلمي ككلّ، وإمّا أن يقبل الاستدلال العلمي، ويعطي للاستدلال الاستقرائي على إثبات الصانع نفس