بداية المعرفة:

وهناك قسمان من المعرفة- على الأقلّ- يجب أن يشكّلا بداية للمعرفة:
أحدهما: المعرفة التي تفترضها بديهيات نظرية الاحتمال.
والآخر: المعرفة بنفس الخبرة الحسّية، لا بموضوعاتها.
فنحن حين نشاهد سحاباً في السماء تعتبر مشاهدتنا خبرة حسّية، والسحاب في السماء هو موضوع هذه المشاهدة، ومعرفتنا بالمشاهدة نفسها معرفة ابتدائية أوّلية وليست مستدلّة، وأمّا معرفتنا بوجود سحاب في السماء فهي معرفة مستدلّة بطريقة استقرائية، كما تقدّم في الفصل السابق.

هل من الضروري أن تكون المعرفة الأوّليّة يقينيّة؟

وإذا كان لا بدّ للمعرفة من بداية، وكانت هذه البداية تمثّل معرفة أوّلية غير مستدلّة، فليس من الضروري دائماً أن تكون هذه المعرفة يقينية، بل قد تكون احتمالية. ويمكن أن نتصوّر المعرفة الأوّلية الاحتمالية في مجالين:
أحدهما: مجال الخبرة الحسّية. فقد تقدّم أنّ معرفتنا بنفس خبراتنا الحسّية معرفة أوّلية، وقد يتّفق أن تكون هذه المعرفة محتملة لا مؤكّدة، فالإنسان كثيراً ما لا يشكّ في أ نّه يسمع صوتاً أو يرى شبحاً، وذلك في حالات وضوح الصوت أو الشبح، ولكن يتّفق في بعض الأحيان أن يخفت الصوت إلى درجة فيصبح سماعه محتملًا لا مؤكّداً، ويبتعد الشبح إلى مسافة فتصبح رؤيته محتملة لا مؤكّدة.
والآخر: مجال القضايا العقلية الأوّلية التي يكون ثبوت المحمول للموضوع فيها ثبوتاً مباشراً بدون تدخّل الحدّ الأوسط. فإنّ هذه القضايا هي أساس كلّ الاستدلالات القياسية؛ لأنّ كلّ استدلال قياسي يثبت الحدّ الأكبر