بإمكان تحقيقها، ولا سبيل إلى التعرّف على هذا الإمكان إلّاعن طريق التحقيق فعلًا.

نقد الموقف الثاني:

وأمّا الموقف الثاني، وهو الذي يربط معنى القضية بتوفّر تصوّرين مختلفين للخبرة الحسّية في حالتي صدق القضية وكذبها، فلا يوجد- فيما أرى- ما يبرّر الأخذ به أيضاً. ولكي يتّضح ذلك يجب أن نعرف: ماذا نعني بمعنى القضية؟ فقد نفسّر معنى القضية بتفسير يتضمّن الموقف الثاني، فنقول مثلًا: معنى القضية هو أن يكون بإمكانها إعطاؤنا تصوّرين مختلفين عن الخبرة الحسّية في حالتي صدقها وكذبها. وبكلمة اخرى: إنّ معنى القضية هو أن تعطينا صورة ذهنية لحالة من حالات الخبرة الحسّية، أو لحالة يمكن أن تكون من حالات الخبرة الحسّية. وفي ضوء تعريف كهذا يصبح الموقف الثاني صادقاً، ولكنّه صدق يقوم على أساس مصادرة لا مبرّر لها، وهي افتراض هذا الموقف في نفس التعريف.
والحقيقة أ نّنا بحاجة إلى تفسير لمعنى القضية يتيح لها أن تتّصف بالصدق أو الكذب، ولا مبرّر لافتراض شي‏ء أكثر من ذلك في التعريف. والصدق والكذب يفترضان صورة ذهنية للقضية تشتمل على تصوّر للموضوع، وتصوّر للمحمول، وتصوّر للعلاقة بينهما، فإذا كانت مفردات القضية تعطينا هذه التصوّرات الثلاثة كان بإمكاننا ذهنيّاً التلفيق بينها وتكوين تصوّر مركّب يمثّل معنى القضية في ذهننا، وهو الذي يتيح للقضية أن تتّصف بالصدق أو الكذب.
وإلى جانب ذلك نجد أنّ الموقف الثاني يعجز عن تفسير بعض الحالات.
مثلًا لنأخذ القضيتين التاليتين: «كلّ (أ) هي (أ)»، «كلّ (أ) هي (أ) بالضرورة»، ونلاحظ أنّ القضية الثانية أكبر مدلولًا من القضية الاولى؛ لأنّ الاولى تتحدّث عن‏