بالإمكان تحقيقها بخبرتي الحسّية خاصّة؟ أو أ نّها تصبح ذا معنى عندي إذا كان بالإمكان تحقيقها بأيّ خبرة حسّية اخرى أيضاً؟
والافتراض الأوّل يعني أنّ القضية التي لا يمكن لي أن احقّقها بخبرتي الحسّية، ليس لها معنى بالنسبة لي. فإذا قلت مثلًا: «كان هناك اناس عاشوا وماتوا قبل ولادتي» كان قولي فارغاً من المعنى بالنسبة لي؛ لأنّ من المستحيل أن أتأكّد من صدقها بخبرتي الخاصّة، مع أ نّها قضية حقيقية وصادقة بدون شكّ.
والافتراض الثاني لا يؤدّي إلى تجريد هذا القول عن المعنى؛ لأنّ إنساناً آخر بإمكانه أن يحقّقه ويثبت بالخبرة الحسّية صدقه أو كذبه، ولكن خبرة الإنسان الآخر نفسها لا تدخل في نطاق خبرتي المباشرة، وإنّما هي مستدلّة استقرائياً بتطبيق نظرية الاحتمال، وفقاً للطريقة التي درسناها في البحث السابق. وهذا يعني: أنّ القضية يكفي، لكي تصبح ذات معنى عندي، أن يكون بإمكاني إثبات صدقها وكذبها ولو بصورة مستدلّة تعود في النهاية إلى خبرتي الخاصّة، بدلًا عن إثباتها بخبرتي المباشرة نفسها. وعلى هذا الأساس تصبح كلّ قضية بالإمكان تحقيقها ولو استدلالياً ذات معنى. فالسببيّة بمفهومها العقلي الذي يستبطن الضرورة واللزوم، وإن كنت لا أستطيع أن اثبت صدقها بالخبرة الحسّية المباشرة- لأنّها لا تدخل في نطاق الخبرة الحسّية- ولكنّي قد أستطيع أن اثبت صدقها بصورة مستدلّة وبطريقة استقرائية تعود في النهاية إلى خبرتي الخاصّة، كما تقدّم في الفصل السابق، ويكفي هذا لكي تكون ذات معنى.
ورابعاً: نتساءل من جديد: هل المقياس في القضية التي لها معنى: تحقيقها صدقاً أو كذباً بالفعل، أو إمكان تحقيقها.
والافتراض الأوّل يعني: أنّ كلّ قضية غير محقّقة فعلًا صدقاً أو كذباً ليس‏