تحقيقها- أي التصديق بالقضية إيجاباً أو سلباً- هو الأساس لتكوين معناها واكتسابها القدرة على إعطائنا الصورة الذهنية المناسبة لها. ولمّا كانت الخبرة الحسّية هي المجال الوحيد الذي يقوم على أساسه التصديق والمعرفة، بحكم المذهب التجريبي، فإمكان تحقيق القضية في مجال الخبرة الحسّية- إذن- هو الأساس لمعناها، فكلّ قضية لا يمكن تحقيقها في مجال الخبرة الحسّية لا معنى لها.
وعلى أساس هذا الموقف يتحوّل عدد من القضايا التي كان لها معنى بحكم الموقفين السابقين، إلى جمل غير ذات معنى، فالقضية القائلة: «هناك أمطار سقطت في بعض بقاع الأرض لم يرها أحد» قضية ذات معنى على أساس الموقف الأوّل؛ لأنّ مفرداتها لها مدلولات مستمدّة من الخبرة الحسّية. وكذلك على أساس الموقف الثاني؛ لأنّ تصوّرنا للخبرة الحسّية يتأثّر بافترأض صدق القضية وكذبها، ولكنّها ليس لها معنى على أساس الموقف الثالث، إذ ليس بالإمكان تحقيق صدق تلك القضية في مجال الخبرة الحسّية؛ لأنّ أيّ مطر إذا اتيحت لنا رؤيته فسوف لن يكون مصداقاً لموضوع القضية. فالقضية إذن لا يمكن إثبات صدقها أو كذبها بالخبرة الحسّية، فلا يكون لها معنى على أساس الموقف الثالث.
هذه مواقف ثلاثة تجاه معنى القضية، والتمييز بين القضية الخاوية والقضية المحتوية على معنى. والموقف الأوّل منها ليس شيئاً جديداً، وإنّما يعبّر عن الاتجاه السائد في المذهب التجريبي منذ قال (دافيد هيوم): إنّ كلّ فكرة هي نسخة من انطباع حسّي.
فالمنطق الوضعي إذ يدعو إلى موقف جديد من معنى القضية، يجب أن يقصد أحد الموقفين الأخيرين: الثاني أو الثالث، ولنبدأ بالثالث: