هو أن نشير إلى شي‏ء في خبرتنا الحسّية ونقول: هذا ما تعنيه الكلمة. فإذا تعذّر علينا ذلك أصبحت الكلمة غير مفهومة، ويؤدّي ذلك إلى أنّ القضية التي تندسّ فيها كلمة من هذا القبيل تصبح غير مفهومة أيضاً وعديمة المعنى.

وقد كتب بعض المناطقة الوضعيين يقول:

«حين تقال لك عبارة فتقول: «إنّي لا أفهمها» فإنّما يعني عدم فهمك لها: أ نّك لا تتصوّر كيف يمكنك تحقيقها لتتبيّن صوابها أو خطأها. مثل ذلك: أن اخبرك بأنّ في هذا الصندوق مسكفاً، فلا تفهم، ومعنى عدم فهمك: أ نّك لا تستطيع أن ترسم لنفسك الصورة الحسّية التي تلاقيها بحواسّك لو نظرت في الصندوق»[1].

ففي هذا المثال فقدت القضية معناها؛ لأنّ كلمة «مسكف» اندسّت فيها، وهي كلمة ليس لها مدلول في الخبرة الحسّية.

وهذا الموقف يرتكز على أساس الرأي القائل: إنّ المصدر الأساس للتصوّر هو الحسّ، فما لم يكن مدلول الكلمة مستمدّاً من الحسّ تكون الكلمة عاجزة عن إعطاء أيّ تصوّر، وبالتالي تكون خاوية من المعنى، وتسبّب خواء القضية التي تدخل فيها.

ويرتبط معنى القضية- بموجب هذا الموقف- بسلامتها من أيّ مفرد لا يحمل مدلولًا مستمدّاً من الخبرة الحسّية، فإذا كان لكلّ مفرداتها مدلولات في خبرتنا الحسّية، أصبح للقضية معنى يتمثّل في تصوّر مركّب من التصوّرات التي تعبّر عنها المفردات. وليس من الضروري أن يكون بالإمكان أن نجد مثالًا أو مصداقاً لهذا التصوّر المركّب في خبرتنا الحسّية؛ لأنّ الذهن قادر على التركيب بين التصوّرات، ولو لم يجد مركّباً واقعياً مماثلًا في الخبرة الحسّية، وليس معنى‏

 

[1] المنطق الوضعي: 16