قضية تكرارية.
وما دام مبدأ عدم التناقض قضية إخبارية تركيبية فالمشكلة تعود من جديد؛ لأنّ المنطق التجريبي مطالَب عندئذٍ بتفسير الضرورة واليقين في هذه القضية الإخبارية. فإن زعم أنّ هذه القضية الإخبارية مستمدّة من التجربة كسائر القضايا الطبيعية أصبح عاجزاً عن تفسير الفرق بينها وبين القضايا الطبيعية، وإذا اعترف المنطق التجريبي بأنّ مبدأ عدم التناقض يعبّر عن معرفة عقلية سابقة على التجربة، ويستمدّ ضرورته من طابعه العقلي الأصيل، كان هذا يعني: هدم القاعدة الأساسية في المذهب التجريبي، وإسقاط التجربة عن وصفها المصدر الأساس للمعرفة البشرية.
وبكلمة اخرى: إنّ قضية « (أ) هي (أ)» التي يعترف المنطق الوضعي لها باليقين بوصفها تكرارية، هل تساوي قولنا: « (أ) من الضروري أن تكون (أ) أو من المستحيل أن لا تكون (أ)»، أو تساوي قولنا: « (أ) هي (أ) فعلًا» دون أن نحكم بضرورة الإثبات أو استحالة النفي. فإن كانت تساوي القول الأوّل فهي قضية إخبارية وليست تكرارية؛ لأنّ الضرورة والاستحالة ليست متضمّنة في مفهوم (أ) الذي هو موضوع القضية. وإن كانت تساوي القول الثاني فهذا يعني الاعتراف بتجريدها من عنصر الضرورة، وجعل القضية القائلة: «الماء هو ماء» على مستوى القضية القائلة: «الماء ينجمد في درجة صفر».
ثانياً: إنّ قضايا الرياضة التطبيقية ليست ضرورية الصدق ضرورة مطلقة، ولكنّها ضرورية الصدق ضرورة مقيّدة. فمثلًا: بديهيات الهندسة الإقليدية ليست صادقة صدقاً ضرورياً مطلقاً على كلّ مكان، سواء كان مسطّحاً أو على أيّ هيئة اخرى، بل إنّما تصدق على المكان المسطّح، ولهذا يدخل عنصر تجريبي في الاعتقاد بصدق الهندسة الإقليدية فعلًا، وانطباقها على المكان الذي نعيش فيه؛