القضية القائلة: «إنّ الخطّ المستقيم أقصر خطّ يصل بين نقطتين» لا يمكن القول بأ نّها قضية تكرارية، بل هي قضية إخبارية؛ لأنّ الخطّ المستقيم- وهو موضوع القضية- لا يتضمّن كونه أقصر خطّ يصل بين نقطتين. فالقضية ليست مجرّد إبراز لعنصر متضمّن في مدلول كلمة «الخطّ المستقيم»، بل هي إبراز لعنصر جديد.
ولكنّ المنطق الوضعي لا يقرّ القول بأنّ قضايا الرياضة التطبيقية قضايا عقلية ضرورية، ولا يمنحها الضرورة التي اعترف بها لقضايا الرياضة البحتة، فبديهيات الهندسة الإقليدية- مثلًا- لا تتمتّع بالضرورة التي تتمتّع بها قضايا الرياضة البحتة.
وقد كتب بعض المناطقة الوضعيين يقول: «وكان يقال أيضاً عن هندسة إقليدس مثلًا، أو أيّ بناء استنباطي آخر: إنّه يستنتج نظريّاته من بديهيات، والبديهيات لا تحتاج إلى برهان؛ لأنّها واضحة بذاتها وصادقة بالضرورة، مع أنّ كون الشيء واضحاً بذاته أمر نسبي يتوقّف على علمنا السابق …، لكنّك تستطيع منطقياً أن لا تسلّم بصحّة ذلك العلم السابق، فلا تعود البديهية المزعومة واضحة بذاتها. (فلقد لبث نسق إقليدس في الهندسة مدى قرون طويلة مفروضاً فيه أ نّه قائم على بديهيات واضحة بذاتها، وأنّ ذلك معناه الصدق الذي لا يتطرّق إليه الشكّ …، لكن هذا الظنّ قد تبيّن اليوم ما فيه من خطأ، فبناء هندسات لا إقليدية قد أظهر أنّ من الممكن إقامة نسقات هندسية على أساس بديهيات اخرى غير بديهيات إقليدس، فننتهي إلى نتائج تختلف عن نتائجه[1])»[2].
[1] ما بين القوسين منقول- في عبارة زكي نجيب محمود- عن( ستبينگ) في كتابه« مقدّمة حديثة إلى المنطق»( باللغة الإنجليزيّة): 174( لجنة التحقيق)
[2] المنطق الوضعي: 324