مستمدّة من التجربة. وما دامت طريقة المعرفة مختلفة فيهما فمن الطبيعي أن تختلفا في طبيعة المعرفة ودرجتها.
موقف المنطق الوضعي من هذه الفروق:
وبقي المذهب التجريبي يعاني من هذه المشكلة أو هذا النقص في تفسير المعرفة، حتّى حاول المناطقة الوضعيون المحدثون أن يسدّوا هذا النقص، ويعالجوا تلك المشكلة علاجاً واقعياً قائماً على أساس الاعتراف بالفرق بين قضايا الرياضة والمنطق، وقضايا العلوم الطبيعية، بدلًا عن التهرّب من هذه الحقيقة وإنكارها، كما كان يصنع المذهب التجريبي. ويتلخّص موقف المنطق الوضعي من القضية الرياضية في تقسيم قضايا الرياضة إلى قسمين:
أحدهما: قضايا الرياضة البحتة التي لا تتّصل بالخبرة الحسّية من قبيل:
«1+ 1/ 2».
والقسم الآخر: قضايا الرياضة التطبيقية كمبادئ الهندسة الإقليدية، من قبيل القضية القائلة: «إنّ الخطّين المستقيمين يتقطعان في نقطة واحدة فقط».
أمّا قضايا الرياضة التي تنتمي إلى القسم الأوّل فهي في اصولها ومبادئها الأوّلية قضايا منطقية، وكلّ القضايا المنطقية والرياضية البحتة تتمتّع بالضرورة واليقين، لكونها قضايا تكرارية لا تخبر عن شيء إطلاقاً. فيقيننا بأنّ 2+ 2/ 4 ليس نتيجة لوجود خبر مضمون الصحّة ومؤكّد التطابق مع الواقع في هذه القضية الرياضية، وإنّما هو نتيجة لخلوّ هذه القضية من الإخبار وكونها تكرارية.
ولكي تتّضح الفكرة في ذلك يجب أن نشير إلى معنى القضايا التكرارية والإخبارية، فإنّ المنطق الوضعي يقسّم القضايا إلى قسمين:
أحدهما: القضايا الإخبارية، وهي: كلّ قضية تتحفنا بعلم جديد، وتصف