المعرفة- إلى القول بأنّ تلك البديهيات التي تحتاجها نظرية الاحتمال، مستمدّة من التجربة أيضاً، ما دامت التجربة في رأيه هي المصدر الوحيد للمعرفة (أو- على الأقلّ- إلى القول بأنّ غير ما كان منها ذا طابع رياضي بحت مستمدّ من التجربة)، وبذلك نفقد أيّ أساس لتنمية الاحتمالات الاستقرائية؛ لأنّ بديهيات الاحتمال تصبح- على هذا الافتراض- بنفسها احتمالات بحاجة إلى أساس لتنميتها. وهكذا نجد أنّ المذهب التجريبي لا يمكنه أن يفسّر الحدّ الأدنى من التصديق الذي تحظى به القضية العلمية.
2- قضايا الرياضة والمنطق:
وأمّا قضايا الرياضة والمنطق، فقد كانت باستمرار تضع المذهب التجريبي أمام مشكلة، وهي: تفسير اليقين المعترف به عادة للقضايا الرياضية والمنطقية، وتبرير الفرق بينها وبين قضايا المعرفة في العلوم الطبيعية، فإنّ الرأي السائد: أنّ القضية المنطقية والرياضية تتمتّع باليقين، فإذا كانت المعرفة كلّها تقوم على أساس التجربة والاستقراء، فهذا يعني: أنّ القضية الرياضية القائلة: «2+ 2/ 4» أو «أنّ الخطّ المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين» استقرائية، وإذا كانت استقرائية فسوف تصبح على مستوى قضايا العلوم الطبيعية، ويزول أيّ فرق بين قضايا المنطق والرياضة، وقضايا العلوم الطبيعية. ومن أجل ذلك يجد المذهب التجريبي نفسه مضطرّاً إلى اختيار أحد الموقفين التاليين: فإمّا أن يحتفظ لقضايا المنطق والرياضة بامتيازها الخاصّ على قضايا العلوم الطبيعية، وإمّا أن يسلّم بعدم وجود أيّ امتياز بينهما.
وكلا الموقفين محرج بالنسبة إلى المذهب التجريبي:
أمّا الموقف الأوّل: فلأ نّه لا يمكنه أن يحتفظ لقضايا المنطق والرياضة