1- قضايا العلوم الطبيعية:
إنّ قضايا العلوم الطبيعية تحظى لدى العقليين بدرجة من التصديق عالية، تبلغ في بعض الأحيان إلى اليقين، بينما ينكر التجريبيون اليقين بالقضية العلمية القائمة على أساس الاستقراء؛ لأنّها تحتوي تعميماً يتجاوز نطاق الخبرة الحسّية المباشرة، ولكنّهم- على الأغلب- يؤمنون بأ نّها تحظى بدرجة احتمالية عالية من التصديق على أساس الشواهد الاستقرائية، والتجارب الناجحة التي تؤيّد التعميم، وأنّ هذه الدرجة تنمو وتكبر باستمرار كلّما ازدادت الشواهد المؤيّدة في مجال التجربة والاستقراء. وهذا يعني أنّ الحدّ الأدنى من درجات التصديق لقضايا العلوم الطبيعية المتّفق عليه عادة، هو درجة احتمالية عالية، متزايدة باستمرار كلّما ازدادت الشواهد الاستقرائية.
وهنا نتساءل: أيّ المذهبين: العقلي أو التجريبي أقدر على تفسير هذا الحدّ الأدنى من درجات التصديق وتبريره؟
ويمكننا الجواب على ذلك في ضوء الفصل السابق من هذا الكتاب، فقد عرفنا أنّ هذه الدرجة من التصديق لا يمكن أن تفسّر إلّاعلى أساس نظرية الاحتمال وتطبيقها في المجال الاستقرائي، وللنظرية بديهياتها التي تتوقّف عليها.
وهذه البديهيات بعضها ذو طابع رياضي بحت وبعضها غير رياضي، وما لم يسلّم بتلك البديهيات لا يتاح تطبيق نظرية الاحتمال لتنمية احتمال القضية العلمية.
فمن الضروري- إذن- أن يفرض أنّ تلك البديهيات قضايا قبلية ثابتة بصورة مستقلّة عن الاستقراء، وهذا ينسجم مع المذهب العقلي، ولكنّه لا يتّفق مع المذهب التجريبي.
فالمذهب التجريبي مضطرّ- بحكم فرضيّته التي يتبنّاها عن مصدر