فالقضية القائلة: «كلّ نار حارّة» قضية استقرائية؛ لأنّها رغم وضوح صدقها على حقائق هذا العالم الخارجي المعاش، ليس من الضروري أن تكون صادقة على أيّ عالم آخر مفترض، بل بالإمكان أن نفترض عالماً توجد فيه نيران غير حارّة، ولا يوجد في نفوسنا رفض لهذا الافتراض. وأمّا القضية القائلة:
«إنّ النقيضين لا يجتمعان»، أي أنّ النفي والإثبات لا يصدقان معاً، فهي قضية تصدق على أيّ عالم نفترضه، وليس بإمكاننا أن نحتمل وجود عالم يتعايش فيه النفي والإثبات. وهذا يعني أ نّها قضية منفصلة عن الاستقراء؛ لأنّ الاستقراء لا يمكن أن يعطي هذا التعميم في الصدق، وإنّما يبرهن على الصدق في إطار العالم الذي يمارس الاستقراء فيه.
فهذه ثلاث علامات فارقة يمكن على أساسها أن نميّز بين القضايا الأوّلية القبلية والقضايا الاستقرائية، وأن نبرهن على أنّ عدداً من الأوّليات والفطريات يعتبر أوّلياً قبلياً، إذا تأكّدنا من توفّر خصائص القضايا القبلية فيه، وهي باختصار:
1- عدم ازدياد الوضوح تبعاً لازدياد الأمثلة والشواهد.
2- عدم استعداد الإنسان لتقبّل احتمال أيّ استثناء للقضية، مهما افترضنا وجود شواهد للاستثناء.
3- الصدق المطلق للقضية الممتدّ إلى غير العالم الخارجي من العوالم الاخرى المفترضة.

إمكان الاستدلال استقرائياً على القضية النظرية:

تقدّم أنّ المنطق الأرسطي قسّم القضايا إلى أوّلية وثانوية، وصنّف القضايا الأوّلية اليقينية إلى ستّة أصناف. واعتبر أيّ قضية تستنتج من تلك القضايا الأوّلية، قضية نظرية يتشكّل منها البناء العلوي للمعرفة؛ وكما تستنتج القضية النظرية من‏