والاستقراء، واكتشف على هذا الأساس ثغرة في تركيب الدليل الاستقرائي، لا يوجد في الدليل الاستنباطي ما يماثلها.
ففي الاستنباط يرتكز استنتاج النتيجة من مقدّماتها- دائماً- على مبدأ عدم التناقض، ويستمدّ مبرّره المنطقي من هذا المبدأ؛ لأنّ النتيجة في حالات الاستنباط مساوية لمقدّماتها أو أصغر منها كما تقدّم، فمن الضروري أن تكون النتيجة صادقة إذا صدقت المقدّمات؛ لأنّ افتراض صدق المقدّمات دون النتيجة يستبطن تناقضاً منطقيّاً ما دامت النتيجة مساوية أو أصغر من مقدّماتها، أي مستبطنة بكامل حجمها في تلك المقدّمات.
وهكذا نجد أنّ الاستدلال الاستنباطي صحيح من الناحية المنطقيّة، وأنّ الانتقال فيه من المقدّمات إلى النتيجة ضروري على أساس مبدأ عدم التناقض.
وأمّا في حالات الاستقراء، فإنّ الدليل الاستقرائي يقفز من الخاصّ إلى العامّ؛ لأنّ النتيجة في الدليل الاستقرائي أكبر من مقدّماتها، وليست مستبطنة فيها.
فهو يقرّر في المقدّمات أنّ كميّة محدودة من قطع الحديد لوحظ تمدّدها بالحرارة، ويخرج من ذلك بنتيجة عامّة، وهي أنّ كلّ حديد يتمدّد بالحرارة.
وهذا الانتقال من الخاصّ إلى العامّ لا يمكن تبريره على أساس مبدأ عدم التناقض، كما رأينا في حالات الدليل الاستنباطي؛ لأنّ افتراض صدق المقدّمات وكذب النتيجة لا يستبطن تناقضاً، فبالإمكان أن نفترض أنّ تلك الكميّة المحدودة من القطع الحديديّة قد تمدّدت بالحرارة فعلًا، ونفترض في نفس الوقت أنّ التعميم الاستقرائي القائل: إنّ كلّ حديد يتمدّد بالحرارة، خطأ، دون أن نقع في تناقض منطقي؛ لأنّ هذا التعميم غير مستبطن في الافتراض الأوّل.
وهكذا نعرف أنّ منهج الاستدلال في الدليل الاستنباطي منطقيّ، ويستمدّ مبرّره من مبدأ عدم التناقض. وخلافاً لذلك منهج الاستدلال في الدليل‏