الاستنباطي.
وفي قولنا الثاني، استنتجنا أنّ الحيوان- أيّ حيوان- يموت بطريقة استنباطيّة. وهذه النتيجة مساوية للمقدّمة التي ساهمت في تكوين الدليل عليها، القائلة: الصامت يموت، والناطق يموت؛ لأنّ الصامت والناطق هما كلّ الحيوان بموجب المقدّمة الاخرى القائلة: الحيوان إمّا صامت وإمّا ناطق.
ونريد بالاستقراء: كلّ استدلال تجيء النتيجة فيه أكبر من المقدّمات التي ساهمت في تكوين ذلك الاستدلال، فيقال مثلًا: «هذه القطعة من الحديد تتمدّد بالحرارة، وتلك تتمدّد بالحرارة، وهذه القطعة الثالثة تتمدّد بالحرارة أيضاً، إذن كلّ حديد يتمدّد بالحرارة». وهذه النتيجة أكبر من المقدّمات؛ لأنّ المقدّمات لم تتناول إلّاكميّة محدودة من قطع الحديد: ثلاثة أو أربعة … أو ملايين، بينما النتيجة تناولت كلّ حديد وحكمت أ نّه يتمدّد بالحرارة، وبذلك شملت القِطع الحديديّة التي لم تدخل في المقدّمات ولم يجر عليها الفحص.
ومن أجل هذا يعتبر السير الفكري في الدليل الاستقرائي معاكساً للسير في الدليل الاستنباطي الذي يصطنع الطريقة القياسيّة، فبينما يسير الدليل الاستنباطي- وفق الطريقة القياسيّة- من العامّ إلى الخاص عادة، يسير الدليل الاستقرائي- خلافاً لذلك- من الخاصّ إلى العام.
ومنذ بدأ الإنسان يدرس مناهج الاستدلال والتفكير ويحاول تنظيمها منطقيّاً، طرح على نفسه السؤال التالي:
هب أنّ المقدّمات التي تقرّرها في الدليل الاستنباطي أو الدليل الاستقرائي، صحيحة حقّاً فكيف يتاح لك أن تخرج منها بنتيجة، وتتّخذ من تلك المقدّمات سبباً كافياً لتبرير الاعتقاد بهذه النتيجة؟
وقد أدرك الإنسان لدى مواجهة هذا السؤال، فارقاً أساسيّاً بين الاستنباط