الثانية: هب أ نّا تصوّرنا العليّة، فكيف يتاح لنا أن نعتقد بها بوصفها علاقة موضوعيّة قائمة بين الحادثتين، دون أن يكون لدينا أيّ سند على ذلك من خبرتنا الحسيّة التي تكشف عن تتابع الحادثتين ولا تكشف عن علاقة الضرورة بينهما؟
وقد تخلّص (هيوم) من المشكلة الاولى باكتشاف المصدر الذي يموّننا بفكرة العليّة وتصوّرها في انطباع من انطباعات الأفكار بدلًا عن انطباعات الإحساس، كما شرحنا سابقاً.
واعترف (هيوم) بالمشكلة الثانية، وعلى أساسها قرّر بأنّ علاقة العليّة ذاتيّة لا موضوعيّة، أي أ نّها تقوم بين الفكرتين في ذهننا ولا مبرّر لافتراض قيامها بين الحادثتين في الخارج.
ونحن إذا افترضنا الأخذ بطريقة (هيوم) في التخلّص من المشكلة الاولى، فسوف نحصل على اعتراف (هيوم) بأنّ بإمكاننا أن نتصوّر العليّة وأن نتساءل- على أقلّ تقدير-: هل لهذه العليّة واقع موضوعي أو لا؟ صحيح أ نّا لم نحصل على انطباع حسّي لصفة العليّة في العالم الخارجي، وإنّما حصلنا في رأي هيوم على صفة العليّة عن طريق انطباع من انطباعات الأفكار، ولكنّ هذا لا يمنعنا- بعد أن حصلنا على فكرة العليّة- أن نضيفها إلى العالم الخارجي متسائلين عمّا إذا كان لفكرة العليّة هذه واقع موضوعي في العالم الخارجي.
ولنفترض مع (هيوم) أنّ التفكير العقلي المحض لا يمكنه أن يجيب على هذا السؤال بالإيجاب، ولكنّه في نفس الوقت لا يمكن أن يبرهن على النفي، وهذا يعني: أنّ القضيّة التي نتساءل عنها: «هل لفكرة العليّة بين الحرارة والتمدّد واقع موضوعي؟» قضيّة مشكوكة- أي محتملة- لأنّ العقل لا يمكن أن يستدل