فلا تقتضي الرواية أكثر من تنجيس المتنجّس الأوّل للمائع.
الجهة الثالثة: في أنّ المتنجّس غير المائع هل ينجّس الجامد؟ ونخصِّص الكلام هنا بالمتنجّس الأوّل، وهو المتنجّس بعين النجس، وأمّا منجّسية المتنجّس الثاني- أي المتنجّس بالمتنجّس- فيأتي الكلام عنها في الجهة الرابعة.
ولكن قبل الدخول في بحث هاتين الجهتين بلحاظ روايتهما لابدّ من الالتفات إلى نكتة، وهي: أ نّه يمكن أن يقال- بناءً على مباني جماعةٍ من الفقهاء كالسيد الاستاذ وغيره- بعدم الحاجة إلى استئناف بحثٍ في هاتين الجهتين؛ لكفاية النتائج التي خرجوا بها من الجهتين السابقتين للحكم بالتنجيس في هاتين الجهتين، وذلك بأحد وجهين:
الوجه الأوّل: أنّ هؤلاء الأعلام افترضوا في الجهة الاولى: أنّ المائع المتنجّس ينجّس على كلّ حال، وفي الجهة الثانية: أنّ الماء القليل- فضلًا عن غيره من المائعات- ينفعل بملاقاة المتنجّس مطلقاً، فاذا جمعنا بين هذين المبنيَين نتج: أ نّا لو جعلنا ماءً قليلًا يلاقي ثوباً متنجّساً- سواء كان متنجّساً أوّلًا أو متنجّساً ثانياً- لتنجّس الماء القليل بحكم ما بنوا عليه في الجهة الثانية من انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس مطلقاً.
ثمّ إنّ هذا الماء القليل لو لاقى جسماً طاهراً جامداً- كالقلم- لنجّسه بحكم ما بنوا عليه في الجهة الاولى من تنجيس الماء المتنجّس، مع أنّ هذا الماء لم يكتسب نجاسته إلّامن الثوب المتنجّس بحسب الفرض، فنضمّ إلى ذلك دعوى أولويةٍ عرفيةٍ واضحة، وهي: أنّ القلم إذا كان يتنجّس بملاقاة ذلك الماء فهو أولى بالتنجّس بملاقاة ما تنجّس به ذلك الماء ابتداءً، أي بملاقاة الثوب، إذ لا يزيد الفرع على الأصل، وهذا معناه كفاية نفس تلك النتائج التي انتهى إليها هؤلاء الأعلام في الجهتين السابقتين لإثبات التنجيس في هاتين الجهتين.