ثمّ على فرض الإطلاق فإن تمّ دليل من الخارج على انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس شمله الإطلاق المذكور، فيثبت أ نّه منجّس، وإن لم نقل بانفعال الماء القليل بالمتنجّس فقد يستشكل في فائدة الإطلاق المذكور في الروايتين، إذ موردهما الماء، ولا مصداق للماء القذر سوى الماء الملاقي لعين النجس، وما يمكن أن يتنجّس بملاقاة المتنجّس- وهو المضاف مثلًا- ليس مورداً للروايتين.
ويندفع: بأنّ ظاهر الروايتين إعطاء الضابط الكلّيّ في التنجيس، وهو: أن يكون الماء قذراً، وانحصار هذا العنوان في خصوص الماء بالملاقي لعين النجس لا ينافي تعدّد مصاديقه بلحاظ مطلق المائعات، وشمول الإطلاق لها بعد إلغاء خصوصية الماء في مقابل أقسام المائع الاخرى.
الجهة الثانية: في تنجّس المائع بالملاقاة للمتنجّس، وهذه عكس الجهة السابقة، إذ كنّا نتكلّم عن منجّسية المائع المتنجّس، وهنا نتكلّم عن تنجّس المائع بالمتنجّس.
وقد تقدّم الكلام عن ذلك تفصيلًا في أبحاث المياه من هذا الشرح[1]، واتّضح أنّ الماء القليل لا ينفعل بملاقاة المتنجّس، وأنّ غيره من المائعات إن قيل بانفعالها فإنّما تنفعل بملاقاة المتنجّس الأوّل، أي المتنجّس بعين النجس، ولا دليل على انفعاله بملاقاة المتنجّس الثاني؛ لأنّ مدرك الانفعال بالمتنجّس الأوّل رواية عمّار الواردة في دَنِّ الخمر، والدالّة على المنع عن وضع الخلّ فيه قبل أن يغسل، وهذا المنع يدلّ على أنّ الدَنَّ منجّس، وهو متنجّس أوّل،
[1] راجع الجزء الأوّل: 428- 445.