استصحاب ملاقاة الثوب للنجس إلى حين رطوبة الثوب لا يثبت سراية الرطوبة من الثوب إلى النجس إلّابالملازمة. ومن هنا كنّا نقول بأنّ استصحاب رطوبة النجس لا يكفي لنجاسة ملاقيه؛ لأنّه لا يثبت سراية الرطوبة إلّابالملازمة.
ولكن يمكن التفكيك بدعوى: أنّ الرطوبة الدخيلة في التنجيس إذا كانت في النجس فلا يكفي مجرّد وجودها، بل لابدّ أن تكون بنحوٍ تسري منه فعلًا إلى الملاقي، ومن هنا لا يجري استصحاب رطوبة النجس. وأمّا إذا كانت في الملاقي للنجس فلا يعتبر فيها السريان إلى النجس؛ لأنّ اعتبار سريان الرطوبة في التنجيس يتطابق مع المرتكزات العرفية في جانب النجس، لا في جانب الطاهر.
إذ ما معنى أنّ الطاهر المرطوب لا ينجس إلّاإذا سرى منه شي‏ء إلى النجس؟! فإنّ مناط سراية القذارة عرفاً أن يكتسب غير القذر شيئاً من القذر، لا العكس، إلّاأن يلتزم باعتبار سراية الرطوبة من الطاهر إلى النجس بدرجةٍ توجب السراية مرّةً اخرى‏ من النجس إلى الطاهر، وهذا معناه: أنّ الرطوبة التي تفي بالشرط في جانب الملاقي يجب أن تكون أشدّ من الرطوبة التي تفي بالشرط في جانب القذر، وهو بعيد عن اتّجاه المسألة فتوىً وعرفاً.
بل قد يقال: إنّ اعتبار كون الرطوبة في النجس مسريةً إنّما هو من أجل أنّ المناط في السراية حقيقةً رطوبة الملاقي؛ لأنّ الملاقي الجافّ لا يتأثّر، فالملاقي إن كان رطباً في نفسه تأثّر- على أيِّ حالٍ- ولو لم تكن رطوبته مسرية، وإن لم يكن رطباً كذلك وكان النجس رطباً فلابدّ من أن تكون رطوبته مسريةً لكي يصبح الملاقي رطباً، وبالتالي صالحاً للتأثّر، وعليه لا يكون الاستصحاب في المقام مثبتاً.
نعم، قد يُتأمَّل في ترتّب نجاسة الماء على الاستصحاب المذكور بنحوٍ يشبه التأمّل في ترتّب نجاسة الملاقي لبدن الحيوان على استصحاب بقاء عين النجاسة عليه، حتّى لو قيل بأنّ بدن الحيوان ينجس ثمّ يطهر بزوال العين، فلاحظ.