والصيف، ومدخلية الفصلين وإن كانت بلحاظ الانجماد والميعان ولكنّه يناسب مع التنزيل على المرتكز العرفي، حيث إنّ المائع في الصيف تتّسع دائرة نفوذه، بينما تضيق في الشتاء بحيث يمكن تطويق النجاسة فيه، ولهذا ورد التعبير بقوله:
«فانزع ما حوله». وقد يشعر بعدم النفوذ قوله في آخر الرواية: «ولا تترك طعامك من أجل دابّةٍ ماتت عليه»، إذ قيل بأ نّها ماتت عليه، لا فيه.
بقي شيء يرتبط بفقه هذا الحديث، حيث جاء فيه قوله: «وإن كان ثرداً»، والكلمة مردّدة بين «ثرداً» و «برداً»[1]، وقد استظهر أ نّه الثرد بمعنى الثريد، بتقريب: أ نّه على الاحتمال الآخر يكون تكراراً لنفس الجملة السابقة التي تفترض حكم الشتاء.
ويمكن أن يناقش في ذلك: بأ نّه وإن استلزم التكرار ولكنّه تكرار عرفيّ في أمثال المقام من أجل توضيح أنّ الشتاء إنّما اخذ بنحو المعرّفية إلى البرد، لا على وجه الموضوعية، وكون ذلك مفهوماً بمناسبات الحكم والموضوع لا يمنع عن تصدّي المتكلّم لتفهيمه، وكان الأولى أن يذكر في إثبات الاحتمال الأوّل أ نّه عليه يكون قوله المذكور معطوفاً على قوله في صدر الكلام: «إن كان سمناً أو عسلًا أو زيتاً» بلا مؤونة.
وأمّا على الاحتمال الآخر فلا يمكن أن يكون معطوفاً على قوله: «فإن كان الشتاء … وإن كان الصيف»؛ لأنّ «كان» هناك تامّة لا ناقصة، فلابدّ على هذا التقدير من تقدير اسمٍ لكان في قوله: «كان برداً» ننتزعه بالعناية من مجموع الكلام، وعلى هذا يكون الاحتمال الأوّل أولى بالكلام.
هذا، ولكنّ الصحيح: أنّ كلّ هذا الكلام ممّا لا مجال له؛ لأنّ ذكر المقرّبات والشواهد إنّما يفيد في مجال تحديد المراد الاستعماليّ بعد الفراغ عن تحديد
[1] كما في الوافي 19: 120، الحديث 19051.