يرى عرفاً أنّ النجاسة قد طُوِّقت ضمن ذلك المقدار فلا ينجس ما زاد عليه، والضابط المذكور في المتن يجب أن يفهم حينئذٍ باعتباره تطبيقاً لهذا الميزان، فبقاء مكان المأخوذ خالياً مشير عرفاً إلى تحدّد دائرة النفوذ وإمكان تطويق النجاسة ضمن هذا المقدار.

والروايات الخاصّة الواردة في أقسام المائع وكيفية انفعالها لا تخرج في مفادها عمّا ذكرناه، وذلك لأنّها على قسمين:

أحدهما: ما لم يعلّق فيه الحكم بالسراية بعنوان المَيَعان، من قبيل معتبرة معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: قلت: جرذ مات في زيتٍ أو سمنٍ أو عسل، فقال: «أمّا السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله والزيت يستصبح به»[1].

فقد فرّق بين الزيت وبين السمن والعسل دون أن تذكر نكتة الفرق، فينزّل على المرتكز العرفي، وهو يناسب قوله: «فيؤخذ الجرذ وما حوله»، إذ يفهم منه عرفاً جعل الميزان إمكان تطويق النجاسة عرفاً المرتبط بمدى النفوذ، لا الجمود والمَيَعان بعنوانيهما.

ومن هذا القبيل أيضاً: معتبرة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الفأرة والدابّة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه؟ فقال: «إن كان سمناً أو عسلًا أو زيتاً فإنّه ربّما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكُلْه، وإن كان الصيف فارفعه حتّى تسرج به، وإن كان ثرداً فاطرح الذي كان عليه، ولا تترك طعامك من أجل دابّةٍ ماتت عليه»[2].

ففي هذه الرواية لم يُنطِ الحكم بالسراية بعنوان المَيَعان، بل بالشتاء

 

[1] وسائل الشيعة 17: 97، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

[2] وسائل الشيعة 24: 195، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الحديث 3.