فإذا دلّ الدليل على إناطة حجّية الشهادة بالتعدّد فُهِمَ منه عرفاً اعتبار تعدّد الشهادة بلحاظ نفس مصبّ الحجّية بالذات، أي الواقعة الحسّية.
وإن شئت قلت: إنّ البيّنة ليست مجرّد إخبار شخصين بشي‏ءٍ حتى يقال بشموله لإخبار شخصين عن مدلولٍ التزاميٍّ مشتركٍ مع اختلاف الواقعة الحسّية، بل هي شهادة شخصين بشي‏ء، والشهادة إنّما تصدق بالنسبة إلى الواقعة الحسّية؛ لأ نّها هي المشهودة دون لوازمها، فمتى ما حصلت شهادتان بواقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ صدقت البيّنة، وثبتت تلك الواقعة بكلّ ما يرى المشهود لديه لها من لوازم.
وأمّا إذا أخبر أحد الشخصين بنجاسة الثوب بالدم وأخبر الآخر بنجاسته بالبول فلم تجتمع شهادتان على شي‏ءٍ واحدٍ، وإن تحقّق إخباران بشي‏ءٍ واحد؛ لأنّ النجاسة وإن أخبر بها الاثنان ولكنّها ليست هي الواقعة المشهودة، فلا يسمّى‏ الإخبار بها شهادةً بما هو إخبار بها، والملاقاة للبول والملاقاة للدم واقعتان حسّيتان لم يتعلّق بكلٍّ منهما إلّاشهادة واحدة، وعلى هذا الأساس فلا إطلاق في دليل حجّية البيّنة لموارد اختلاف الشاهدين في الواقعة الحسّية.
غير أ نّا لا نضايق في إمكان الالتزام بأصالة وحدة الواقعة الحسّية- بمعنى البناء عقلائياً أو شرعياً على أنّ الواقعة الحسّية المنظورة للشاهدين واحدة- ما لم تقم قرينة في نفس الشهادتين على التغيّر، أو تحصل تهمة معيّنة تستدعي الاستنطاق.
وهذا البناء على وحدة الواقعة الحسّية: إمّا أن يلتزم به مطلقاً كلّما احتمل ذلك وأمكن افتراض انطباق الشهادتين على مصداقٍ واحد، أو يلتزم به في خصوص الحالات التي يعلم فيها من الخارج عادةً بأ نّه على تقدير صدق الشاهدين معاً فالواقعة واحدة، كما في الامور التي لا يحتمل تكرّرها عقلًا أو عادة، كما لو شهد اثنان بوفاة إنسان، أو ببيع الدار من زيد.