وهذا البيان بكلا تقريبيه إنّما يتعقّل فيما إذا سقطت الدلالة المطابقية عن الحجّية من أجل وجود حجّةٍ معارضة، أو للعلم ببطلان المدلول المطابقيّ، لا فيما إذا كان عدم ثبوت المدلول المطابقيّ لقصورٍ في نفس دليل الحجّية عن إثباته وشموله، كما في المقام، حيث إنّ موضوع دليل الحجّية عنوان البيّنة، وما أخبر به الشاهدان، وكلّ من المدلولين المطابقيّين في الفرض لم يخبر به الشاهدان، فعدم ثبوته لعدم صدق عنوان الحجّة وهو البيّنة على كلٍّ من الدلالتين المطابقيّتين، وفي مثل ذلك لا يبقى محذور في تطبيق دليل الحجّية على المدلول الالتزاميّ إذا صدق عنوان الحجّة عليه بسبب كونه محكيّاً بكلتا الشهادتين ولو التزاماً.

وأمّا الثاني فلأنّ المدلول المطابقيّ للبيّنة- بما هي بيّنة- ليس إلّاالمدلول التحليليّ المشترك، فهو إنّما يكون ضمنياً بلحاظ كلّ خبرٍ بخصوصه، مع أنّ الحجّة ليس إلّااجتماع الخبرين، وهما لم يجتمعا إلّاعليه، فهو تمام المدلول للبيّنة بما هي بيّنة.

ومع كلّ هذا يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد عرفاً من دليل حجّية البيّنة اشتراط وحدة الواقعة الحسّية، على الرغم من أنّ الجمود على إطلاقه قد يقتضي ما هو أوسع من ذلك، والنكتة في فهم الاشتراط المذكور من الدليل: أنّ المنسبق عرفاً منه أنّ التعدّد المقوّم للبيّنة إنّما يلحظ بالنسبة إلى ما تكون الشهادة حجّةً فيه بالذات، بمعنى أنّ مصبّ التعدّد هو نفس مصبّ الحجّية بالذات، ومصبّ حجّية الشهادة بالذات إنّما هو الواقعة الحسّية نفسها، فالشهادة بنجاسة الثوب إنّما تكون حجّةً بما هي إخبار عن واقعةٍ حسّية، وهي ملاقاة الدم للثوب، لا بما هي إخبار عن الحكم الشرعيّ بالنجاسة، كما تقدّم في المسألة الرابعة[1].

 

[1] تقدّم في الصفحة 124.