السيرة العقلائية إنّما تعتبر الخبر بلحاظ طريقيّته وموصليّته إلى الواقع، وهذه الحيثية مرهونة بكشفه العقلائي، وهو محفوظ في المقام، لا بكشفه الشخصي، والأدلّة اللفظية على الحجّية مطلقة أيضاً، ولا موجب لتقييدها، سواء فرضت إمضائيةً أو تأسيسية، وقطع النظر عن السيرة.
وأمّا اقتران البيّنة بكاشفٍ نوعيٍّ على الخلاف يزاحم كاشفية البيّنة عند العقلاء على العموم، ويوجب قصورها عن إفادة الظنّ لديهم، أو حصول الظنّ على خلافها فالظاهر أ نّه يوجب سقوط البيّنة عن الحجّية؛ لعدم الموجب إثباتاً لحجّيتها حينئذٍ.
أمّا بلحاظ السيرة فلأنّ العقلاء إنّما يبنون على حجّية الخبر بلحاظ الكاشفية والموصلية، والمفروض زوالها، وكونها حكمةً لا علّةً مرجعه إلى كون الحجّية تعبّديةً وتابعةً لصفةٍ نفسيةٍ في الخبر، وهي كونه- لولا المانع- كاشفاً، وهذا على خلاف المرتكزات العقلائية في باب الحجج والطرق، وقد ذهبنا إلى ذلك بالنسبة إلى حجّية خبر الثقة في الشبهات الحكمية أيضاً، فأ نَطْنا حجّيته بعدم الكاشف النوعيّ المزاحم بالنحو المذكور.
ومن هنا قلنا: بأنّ إعراض المشهور عن الرواية بلحاظ حيثية صدورها إذا لم يكن إعراضاً اجتهادياً بميزانٍ من موازين التقديم والترجيح يوجب سقوطها عن الحجّية.
ومن أجل هذا أيضاً قلنا في مسألة رؤية الهلال وثبوته بالبينة: إنّ الروايات الواردة في إسقاط حجّية البيّنة المتفرّدة بالرؤية[1] ليست تخصيصاً لقاعدة حجّية البيّنة، بل هي جارية على القاعدة؛ لأنّ التفرّد المذكور- مع كثرة المستهلّين
[1] وسائل الشيعة 10: 289، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 10.