أمّا الأوّل فلو قيل بقاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ فلا ينبغي أن يفرض موضوعها عدم العلم بمعناه الصفتي، بل عدم تلك الدرجة من الوضوح والتجلّي التي توجب العلم للإنسان الاعتيادي؛ لوضوح أنّ العقل لا يحكم بقبح العقاب مع توفّر تلك الدرجة وإن لم تؤثّر في حصول اليقين فعلًا.
وأمّا الثاني فهو عبارة عن الاصول الشرعية المؤمّنة، وبعد حمل الغاية فيها على العلم بنفس المعنى المذكور آنفاً لا يكون في أدلّتها إطلاق للشكّ المذكور، فلا يكون مؤمّناً.
الجهة الثالثة: في القطع غير المتعارف بالنجاسة أو بالطهارة، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ القطع غير المتعارف بالنجاسة يتصوّر من الوسواسيّ وسريع اليقين، وأمّا القطع غير المتعارف بالطهارة فيتصوّر من سريع اليقين، ولا يتصوّر من الوسواسي.
والكلام فيه يقع: تارةً في حجّيته في نفسه، واخرى في إمكان الردع عنه، وثالثةً في البحث عن وقوع الردع عنه بعد فرض إمكانه. فهنا ثلاث نقاط:
1- في حجّيته، والصحيح: حجّيته بمعنى لزوم الجري على طبقه عقلًا، سواء قيل بأنّ موضوع حكم العقل بالحجّية طبيعيّ القطع، أو القطع الخاصّ الذي لم ينشأ من جهةٍ غير موضوعية، كالقطع المتولّد من الوسواس والوهم، أو من العجلة في إلغاء الاحتمالات وغضّ النظر عنها.
أمّا على الأوّل فواضح، وأمّا على الثاني فلأنّ القاطع لا يعقل أن يصدق بأنّ قطعه وليد وهمٍ أو عجلة، وإلّا لفقده، فهو يراه مصداقاً للقطع الخاصّ على أيّ حال، ومعه يستقلّ عقله بلزوم التحرّك على طبقه، ولا نريد من الحجّية إلّا ذلك.
2- في إمكان الردع عنه، وقد يدّعى إمكان الردع: تارةً ببيانٍ يقتضي