وهناك فارق آخر بين الأنواع الثلاثة، وهو: أنّ الوسواسيّ لا يمكنه أن يصدّق بالنسبة إلى شخصٍ حالةً معيّنةً من حالات شكّه أو يقينه بأ نّها وسواس؛ لأنّ ذلك مساوق للاعتراف بنشوئها من الوهم، ووجود الدليل على خلافها، واليقين بذلك يساوق زوال تلك الحالة عادةً.
نعم، قد يعترف الوسواسيّ بأ نّه وسواسيٌّ بصورةٍ عامة، ولكنّه حينما يعيش حالةً معيّنة من الشكّ أو القطع لا يمكنه أن يعتقد بأ نّه وسواسيّ في تلك الحالة، وهذا بخلاف بطيء اليقين الذي لا يؤثّر ضعف الاحتمال في فنائه في نفسه، إذ قد يعترف هذا الشخص الشكّاك بأنّ هذا الاحتمال يلغيه غيره ولا يستقرّ في ذهنه؛ لأنّ قيمته ضئيلة، ومع هذا يبقى مصرّاً على الاحتفاظ به؛ وذلك لأنّ هذا الاعتراف لا يساوق التنازل عن الاحتمال المذكور؛ لأنّ كونه يفنى عند غيره بسبب الضآلة لا يبرهن على ضرورة ذلك، فإنّ هذا الفناء ليس أمراً برهانياً كما أوضحناه في الاسس المنطقية للاستقراء[1]، وإنّما هو مصادرة مشتقّة من تركيب ذهن الإنسان، الذي خلق بنحوٍ لا يحتفظ بالاحتمالات الضئيلة جدّاً، فلو وجد ذهن يختلف في خلقته عن ذلك طبعاً أو تطبّعاً فلا محذور في أن يلتفت إلى ذلك.
نعم، لو كان البطؤ في اليقين نتيجة عدم الالتفات إلى البديهيّات ومشتقّاتها فلا يمكن لهذا الشكّاك أن يعتقد بهذا الواقع بشأن شكّه، وأ نّه نشأ من عدم الالتفات إلى تلك البديهيّات.
وأمّا من يسرع إليه اليقين- وهو القطّاع- فهو لا يمكنه أن يعترف بأنّ يقينه
[1] يراجع الاسس المنطقية للاستقراء: الفصل الثاني الدليل الاستقرائي في مرحلة التوالدالذاتي.