لا يحتملها غيره عادةً، أو يحصل له الجزم بها كذلك، خلافاً لغيره من الناس.
فالأول شكّ الوسواسيّ، والثاني علمه، وهو في موقفه هذا متأثّر بتشبّثٍ وهميٍّ بالإلزام ناشٍ عن حالةٍ نفسية، وهي خوفه منه وشدّة حرصه على امتثاله.
وهناك من يشابه الوسواسيّ في الخروج عن الوضع العقلائيّ المتعارف، ولكن لا بسبب التشبّث الوهميّ بالإلزام والكلفة والتخوّف منهما، بل للتشبّث العقليّ بأضعف الاحتمالات وأتفهها، التي تنفى‏ عادةً بحساب الاحتمالات. ومن هنا لم يكن هذا شاذّاً في طرف الإلزام فقط، بل في طرف الترخيص أيضاً، فكما يبطئ يقينه بالتطهير كذلك يبطئ يقينه بأن تنجس؛ لأنّه لا يسدّ الاحتمالات التي تسدّ عادةً بحساب الاحتمالات ارتكازاً، بينما الوسواسيّ بالمعنى المتقدّم لا يبطئ اليقين بالإلزام عنده عن المتعارف، وإنّما يبطئ عنده التصديق بنفي الإلزام لشدّة السيطرة الوهمية للإلزام على نفسه.
وفي مقابل هذا الأخير القطّاع، وهو شخص يسدّ بسرعة الاحتمالات التي لا تسدّ عادةً بحساب الاحتمالات، على العكس من سابقه فيلغي من ذهنه احتمالاتٍ معتدّاً بها عقلائياً، وبذلك يسرع إلى اليقين، وهي حالة عقلية أيضاً نسبتها إلى طرف الإلزام والترخيص على نحوٍ واحد.
فهناك إذن ثلاثة أنواعٍ غير متعارفة: الوسواسيّ، ومن لا يؤثّر ضعف الاحتمال في زواله من نفسه، ومن يزول الاحتمال بأدنى‏ ضعفٍ أو ملاحظةٍ من نفسه. والأوّل يختصّ شذوذه بطرف الإلزام، بخلاف الأخيرين. كما أنّ الطرفين يتصوّر شذوذهما في اليقين، بينما الوسط لا يشذّ في اليقين، بل في الشكّ، فهو يشكّك حيث لا ينبغي أن يشكّ، لا أ نّه يتيقّن حيث لا ينبغي أن يتيقّن، والأوّلان يتصوّر شذوذهما في الشكّ، بمعنى أنّهما يتشكّكان حيث لا ينبغي، ولا يتصوّر ذلك في الأخير.