وليس في هذا الحديث نقطة ضعفٍ سنداً إلّامن حيث يزيد بن خليفة، الذي نصحِّحه برواية صفوان عنه.
والإنصاف: أ نّه لا بأس بدعوى أنّ هذه الرواية تجعل الضابط للحرمة هو الإسكار في طبيعيّ النبيذ، إذ الراوي لم يكن في مقام السؤال عن حكم النبيذ حتّى يقال: إنّه ظاهر في النظر إلى جانب النبيذ فقط، وإنّما كان في مقام نقل القصّة، ولم يبيِّن أ نّه كان مطبوخاً أو لا، فيتمّ الإطلاق بملاك ترك الاستفصال، والإمام عليه السلام صار في مقام الشفقة على الغلام وتنبيهه على الحرام الموجود في النبيذ، ولم يذكر إلّا المسكر، ولو كان المطبوخ أيضاً حراماً لنبّه عليه، والنبيذ- على ما سوف يأتي إن شاء اللَّه- يشمل التمريّ والزبيبي، فلا بأس بهذه الرواية سنداً ودلالةً.
ومنها: رواية صفوان الجمّال، قال: كنت مبتلىً بالنبيذ معجباً به، فقلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أصف لك النبيذ؟ فقال: «بل أنا أصفه لك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
كلّ مسكرٍ حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة، فقال: «ليس هكذا كانت السقاية، إنّما السقاية زمزم، أفتدري أوّل من غيّرها؟» قلت: لا، قال: «العباس بن عبدالمطلّب، كانت له حبلة، أفتدري ما الحبلة؟» قلت: لا، قال: «الكرم، فكان ينقع الزبيب غدوةً ويشربونه بالعشي، وينقعه بالعشيّ ويشربونه غدوة، يريد به أن يكسر غلظ الماء على الناس، وإنّ هؤلاء قد تعدّوا، فلا تقربه ولا تشربه»[1].
فقوله: «أنا أصفه لك … إلى آخره» معناه: أ نّه لا داعي إلى أن تصف لي النبيذ، وإنّما اعطيك القاعدة العامّة، وهي: إن كان كثيره مسكراً حرم كثيره وقليله، وإلّا فلا، وهذه الرواية فيها خصوصية تدعونا إلى القول بإطلاقها من
[1] وسائل الشيعة 25: 337، الباب 17 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 3