وأمّا ما يكون بلسان أنّ العصير الزبيبيّ إذا غلى‏ يحرم من قبيل رواية زيد النرسي، فلا يمكن عرفاً تقييده بخصوص حالة الإسكار؛ لأنّ المستفاد من كون الحرمة لعنوان العصير الزبيبيّ المغليّ وتقييده بالإسكار يرجع إلى إلغاء هذا العنوان، والرجوع إلى عنوانٍ آخر، وهو المسكر الذي هو حرام، سواء كان زبيباً مغليّاً، أو لا. إذا عرفت ذلك فلنشرع في أدلّة حلّية العصير الزبيبي، وهي ستة:

الدليل الأوّل: عمومات الحلّ من قبيل آية: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً»[1]، فإنّها تدلّ على حلّية كلّ شي‏ءٍ للإنسان إلّاما خرج بالدليل.

وهذا الدليل وإن كان تامّاً في نفسه لكنّه لا يقاوم شيئاً من أدلّة الحرمة لو تمّت، عدا الاستصحاب فيقدّم عليه، بناءً على ما هو الصحيح من تقدّم العامّ عند دوران الأمر بين عموم العامّ واستصحاب حكم المخصّص، وأمّا الأدلّة الاخرى فتقدّم عليه لو تمّت؛ لكونها أخصّ منه.

الدليل الثاني: الأدلّة الاجتهادية للحلّ التي موضوعها غير المسكر، وهذا هو فرقه عن الأوّل، إذ الأوّل يشمل المسكر، وأنواعه ثلاثة:

الأوّل: ما دلّ كتاباً وسنّةً على حصر الحرام من الطعام بالميتة والدم والخمر والمسكر ونحو ذلك، من قبيل رواية محمد بن عذافر، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: لمَ حرّم اللَّه الخمر والميتة ولحم الخنزير والدم؟

فقال: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده، وأحلّ لهم ما وراء ذلك من رغبةٍ في ما أحلّ لهم، ولا زهد في ما حرّمه عليهم، ولكنّه خلق الخلق فعلم ما تقوم به أبدانهم، وما يصلحهم، فأحلَّه لهم وأباحه لهم، وعلم ما يضرّهم فنهاهم‏

 

[1] البقرة: 29