استصحاب النجاسة وعدم الطهارة في الثوب، ونلاحظ بناءً على‏ هذا أنّ الأصل السببيّ الذي يعالج المشكلة في مرحلة الموضوع والسبب ويجري في حكم الماء نفسه يتعبّدنا بطهارة الثوب، وأنّ الأصل المسبّبيّ الذي يعالج المشكلة في مرحلة الحكم والمسبّب ويجري في حكم الثوب نفسه يتعبّدنا بعدم طهارة الثوب، وهذا معنى التنافي بين نتيجتي الأصلين وتعارضهما.

وتوجد هناقاعدة تقتضي تقديم‏الأصل السببيّ على‏ الأصل المسبّبي، وهي:

أ نّه كلّماكان أحد الأصلين يعالج مورد الأصل الثاني دون العكس قُدّم الأصل الأوّل على‏الثاني.

وهذه القاعدة تنطبق على‏ المقام؛ لأنّ الأصل السببيّ يحرز لنا تعبّداً طهارة الثوب؛ لأنّها أثر شرعيّ لطهارة الماء، ولكنّ الأصل المسبّبيّ لا يحرز لنا نجاسة الماء ولا ينفي طهارته؛ لأنّ ثبوت الموضوع ليس أثراً شرعيّاً لحكمه، وعلى‏ هذا الأساس يقدّم الأصل السببيّ على‏ الأصل المسبّبي.

وقد عبّر الشيخ الأنصاريّ والمشهور[1] عن ذلك: بأنّ الاستصحاب السببيّ حاكم على‏ الاستصحاب المسبّبيّ؛ لأنّ الركن الثاني في المسبّبيّ هو الشكّ في نجاسة الثوب وطهارته، والركن الثاني في السببيّ هو الشكّ في طهارة الماء ونجاسته، والأصل السببيّ بإحرازه الأثر الشرعيّ- وهو طهارة الثوب- يهدم الركن الثاني للأصل المسبّبيّ، ولكنّ الأصل المسبّبيّ باعتبار عجزه عن إحراز نجاسة الماء- كما تقدّم- لا يهدم الركن الثاني للأصل السببيّ، فالأصل السببيّ تامّ الأركان فيجري، والأصل المسبّبيّ قد انهدم ركنه الثاني فلا يجري.

وقد عُمِّمت فكرة الحكومة للأصل السببيّ على‏ الأصل المسبّبيّ لحالات التوافق بين الأصلين أيضاً، فاعتبر الأصل المسبّبيّ طولياً دائماً ومترتّباً على‏ عدم جريان الأصل السببيّ، سواء كان موافقاً له أو مخالفاً؛ لأنّ الأصل السببيّ إذا جرى ألغى‏ موضوع الأصل المسبّبيّ على‏ أيّ حال.

 

[1] فرائد الاصول 3: 394، كفاية الاصول: 490- 491، وفوائد الاصول 4: 682