العالم بين مادّته الأساسيّة (العلّة المادّيّة) والفاعل الحقيقي (العلّة الفاعليّة). فهل فاعل هذا العالم وصانعه شيءٌ آخر خارج عن حدود المادّة ومغايرٌ لها، كما أنّ صانع الكرسي مغايرٌ لمادّته الخشبيّة، أو أ نّه نفس المادّة التي تتركّب منها كائنات العالم؟
وهذه هي المسألة التي تقرّر المرحلة الأخيرة من مراحل النزاع الفلسفي بين المادّيّة والإلهيّة»[1].
وبعد ذلك يتولّى الكاتب إثبات الثنائيّة بين العلّة المادّيّة والعلّة الفاعليّة من خلال دراسة المادّة على ضوء الفيزياء أوّلًا، ثمّ على ضوء الفلسفة ثانياً، ثمّ على ضوء الوجدان ثالثاً، والمعطيات العلميّة: الفيزيولوجيا والبيولوجيا وعلم الوراثة وعلم النفس.
وهكذا نرى بكلّ وضوح أنّ مثال العلاقة بين الكرسي والنجّار كان مثلًا توضيحيّاً لتحديد المصطلحات، ولم يكن دليلًا كما شاء النجّار أن يفترضه. كما أ نّا نلاحظ بكلّ وضوح أنّ الصفحة والنصف التي أشار إليها النجّار إنّما كانت مخصّصة لتوضيح اتّجاه البحث من المرحلة الأخيرة وصيغة السؤال الأساسي المطروح في هذه المرحلة، وأمّا التدليل على الموقف الإلهي من هذا السؤال، فقد استوعبه عشرات الصفحات التالية.
إنّ الإنصاف والموضوعيّة وتقدير العلم أينما وجد ولو كان لدى الخصوم الفكريّين من أهمّ الشروط التي يجب أن يتحلّى بها الناقدون المثقّفون بما فيهم الاستاذ النجّار … هدانا اللَّه وإيّاه إلى سواء السبيل.
[1] فلسفتنا: 368