هذه الدنيا دنيانا هي مجموعة من الأوهام، كل دنيا وهم، لكن دنيانا أكثر وهماً من دنيا الآخرين، مجموعة من الأوهام. ماذا نحصل من الدنيا إلّاعلى قدر محدود جداً؟ لسنا نحن اولئك الذين نهبوا أموال الدنيا وتحدثنا عنهم قبل أيام، لسنا نحن اولئك الذين تركع الدنيا بين أيدينا لكي نؤثر الدنيا على الآخرة.
دنيا هارون الرشيد كانت عظيمة. نقيس أنفسنا بهارون الرشيد. هارون الرشيد نسبُّه ليلًا نهاراً؛ لأنّه غرق في حبّ الدنيا، لكن تعلمون أيّ دنيا غرق فيها هارون الرشيد، أي قصور مرتفعة عاش فيها هارون الرشيد، أيّ بذخ وترف كان يحصل عليه هارون الرشيد، أيّ زعامة وخلافة وسلطان امتدّ مع أرجاء الدنيا حصل عليه هارون الرشيد؟ هذه دنيا هارون الرشيد.
نحن نقول بأننا أفضل من هارون الرشيد، أورع من هارون الرشيد، أتقى من هارون الرشيد، عجباً! نحن عُرضت علينا دنيا هارون الرشيد فرفضناها حتى نكون أورع من هارون الرشيد؟ يا أولادي، يا إخواني، يا أعزائي، يا أبناء علي، هل عرضت علينا دنيا هارون الرشيد؟
لا، عرض علينا دنيا هزيلة محدودة ضئيلة، دنيا ما أسرع ما تتفتت، ما أسرع ما تزول، دنيا لا يستطيع الإنسان أن يتمدد فيها كما كان يتمدد هارون الرشيد. هارون الرشيد يلتفت إلى السحابة يقول لها: أينما تمطرين يأتيني خراجك[1]. في سبيل هذه الدنيا سجن موسى بن جعفر عليه السلام. هل جرّبنا أن هذه الدنيا تأتي بيدنا ثم لا نسجن موسى بن جعفر؟ جرّبنا أنفسنا، سألنا أنفسنا، طرحنا هذا السؤال على أنفسنا، كل واحد منّا يطرح هذا السؤال على نفسه، بينه وبين اللَّه أن هذه الدنيا، دنيا هارون الرشيد كلّفته أن يسجن موسى بن جعفر، هل وضعت
[1] انظر: مآثر الإنافة في معالم الخلافة 1: 194؛ 3: 224